أقلام حرة

الإعتقاد بين الطبع والتطبع!!

صادق السامرائيالطبع البشري حالة موروثة قائمة راسخة إنعكاسية الإستجابات والتفاعلات، وقد فشلت المحاولات التهذيبية والتطويعية والتشكيلية لهذا الطبع الخلقي، وقد يتمكن المخلوق من كتمه لبعض الوقت لكنه يظهر ويعبر عن آلياته حالما تحين الظروف.

فالقطة مهما طبّعتها وأدبتها وأطعمتها فإنها إن رأت فأرة ستطاردها وإن أمسكت بها ستأكلها، وكذلك الكلب مهما توهمت بأنه قد تعلم وتهذب، فأن طبعه سيغلبه حالما تحين الفرصة المواتية، وإذا جاع الكلب قد يأكل صاحبه!!

وكم من الحيوانات المدجنة قد فتكت بأصحابها وقضت عليهم لأن طبعها قد ثار وتفاعل مع الحالة التي هي فيها، ولا يختلف البشر عن الحيوانات الأخرى بهذا السلوك.

وقد إجتهد المصلحون والمفكرون والرسل والأنبياء والكتب السماوية في تهذيب الطبع البشري، وتشكيله وفقا لأخلاقيات ومعايير وضوابط سلوكية تساهم في صناعة الحياة الفاضلة وتأسيس الدولة العادلة، لكنها وبلا إستثناء فشلت وما إستطاعت النجاح إلا بنسب قليلة  ومتباينة ما بين الأجيال.

ويلعب الطبع دوره الكبير في السلوك خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمعتقدات، التي يتم تطويعها لكي تتواءَم مع الطبع، وفي أكثر الأحيان تعجز عن تطويع الطبع لصالحها.

ومن الواضح أن الرسول الكريم قد تمكن بحنكته الخارقة وقوته الروحية الطاغية أن يشكل السلوك وفقا لمعطيات الرسالة التي يبشر بها، وكان صاحب هيبة وسلطان روحي ونفسي وفكري وأخلاقي، أسهم بصياغة الحالة السلوكية الجمعية للناس من حوله.

وما أن غابت تلك القدرة التأثيرية حتى برز الطبع وتمكن من السلوك الذي أفضى إلى ما أفضى إليه من بعده، وتطورت الأمور وفقا لسياقات الطباع الكامنة والمطمورات الآمنة، التي اوجدت في الدين والمعتقد ما يؤهلها لتوظيفه لصالحها.

والطبع قد يكون أي شيئ لكنه يتصل بالنفس الأمارة بما تهوى وتشتهي من الرغبات والتطلعات والنزوات المتنوعة، وما مطمور فيها من النزعات التي لا تعد ولا تحصى.

ووفقا لهيمنة إرادة الطبع على إرادة التطبع المرسومة والمحكومة بالضوابط الأخلاقية والقيم الدينية والأفكار السماوية، فأن ميزان القوى قد أصابه إختلال سلوكي وإضطرابات متنامية، تطورت فأوجدت صيغا تعتمد على أن يمتطي الطبع ما لا يمكن التطبع عليه.

وكان من أهم أدوات تمرير الطباع وإنتصارها على الدين هي الفتاوى والتأويلات والتفسيرات والتوجهات، التي أوجدت ما هو ضد الدين وأسست لمشاريع التفاعلات السلبية ما بين الدين والدين، وإنتهت إلى آليات التشظي والتدمير الذاتي والموضوعي لجوهر الدين.

ولكي نفهم الأحداث المريرة التي تكررت في تأريخ الأمة، علينا أن لا نغفل دور الطبع في رسم خارطة الأحداث والتطورات التي عصفت بالأمة.

فعلى سبيل المثال، لا يمكن الجزم بأن الفترة التي قضاها النبي الكريم في الحياة مبشرا برسالته قد أوجدت تطبعا أقوى من الطبع في أصحابه والذين من حوله، لكن التطبع الذي تولد يتباين بقوته وقدرته على الإنتصار على الطبع، وبهذا تتباين درجات الصحابة والتابعين، والذين يتفاعلون مع الدين إلى يوم الدين.

وهذا يفسر ما جرى للمسلمين منذ وفاة الرسول الكريم وحتى يومنا هذا، وخلاصته أن الطبع قد ركب التطبع وسخره لتمرير ما يريده ويبغيه.

ولا فرق بين اليوم والبارحة، ولن تتغير هذه المعادلة السلوكية ما دامت الأرض تدور والطباع تمور!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم