أقلام حرة

كوردستان والمراوحة في العملية السياسية

عماد عليالجمود المفروض على حركة العمل السياسي السائر بخطى غير مقبولة ومراوحة العملية السياسية في كوردستان تفرض على المتمعن ان يتشائم اكثر يوما بعد اخر. عملية تشكيل الحكومة تاخرت لمدة زادت عن حدها المعقول رغم اعتقاد الاكثرية بان الواقع لم يتغيرسواء تشكلت ام بقت على ماهي عليه طالما السلطة باقية كماهي بيد عائلة او عوائل متنفذة وفي دائرة محصورة بمقتضيات مصالح ضيقة ولم يبق امام الاحزاب الا النظر الى الكرسي والكعكة اكثر من اي شيء اخر رغم الادعاءات المزيفة حول ذلك التي يعرفها الشعب الكوردستاني بشكل واضح وجلي.

من يقيّم الواقع في هذه اللحظات ويقارنها مع حتى الماضي القريب، يتبين لديه الكثير من الامور ومنها مستوى اخلاص السلطة الكوردستانية للقضية الكورد الاكبر في تحقيق الاهداف التي سالت انهار من الدماء من اجل تحقيقها ومن ثم التباين في الوضع المعيشي للناس الذي اثر بشكل كبير ومطلق على تفكيرهم واعتقاداتهم ومبادئهم وافول ايمان الكثير من الاهداف العامة وبما آمن به بالامس نتيجة ما يراه اليوم على الارض من التناقضات والسلبيات الناتجة عن افرازات تخلف العقلية الحاكمة وما تؤثر بشكل كبير على تحقيق امنيات الشعب قبل حياته الخاصة، لانه هو اهل التضحية ويضع كل ما يملكه على ما يؤمن به وان كان له ردود فعل آنية ازاء ما يراه من ما تقترفه السلطة الكوردستانية الغاشمة من الافعال المشينة الضارة بمستقبل اجياله والصراع المرير على الجاه والمال قبل اي تفكير ولو قليل بما يتطلبه مستقبل هذه الامة المظلومة في تاريخه لاسباب موضوعية وذاتية معلومة لدى الجميع, وهو وقود المعركة والعملية قبل هؤلاء اهل السلطة والاحزاب.

من يقارن الحال بين اليوم والامس القريب من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كافة القطاعات والتخلف المسيطر عليها يعلم ان الاسباب لا يكمن الا في كيان الكورد عقليتهم وادارة امورهم بذاتهم قبل احداخر وبعد ان يقيّم ما سار عليه خلال العقدين الماضيين والفرص الضائعة التي هدرها المسيطرون على زمام الامور دون وجه حق فانه لم يعد كما كان. من يرى كل هذه المراوحة في سير العملية السياسية على ايدي السلطة دون ان تابه بما يفرضه الهدف الذي يحلم به الشعب لا يمكن ان يفكر الا ويقول ان مستوى عقلية ادارة العملية السياسية والصراعات والمنافسة والخلافات على نقطة صغيرة توضح مدى اهتمام هذه القادة بما هو اكبر، وعدم اهتمامهم بشكل جلي ما يدعم التوجه العام نحو الاهم، فانه محق ان يتشائم ويبتعد عما كان يهمه ويضحي من اجله بالامس. ما هو الواضح لديه الان ان جل تفكير هؤلاء المتنفذين باي شكل كان لا يخرج من دائرة تامين مستقبل ومصلحة اشخاص واحزاب على حساب الاهم وما يهم الشعب، وهذا هو لب المشكلة التي تسيطر على تفكير الناس ويجعلهم اكثر تشاؤما في تحقيق اهدافها من اي وقت مضى في تاريخه رغم انتظار العكس.

ان الصراعت التي كانت بداية حزبية ومحصورة في مساحة يمكن ان الخروج منها عند المراجعة والتفكير فيما ناضل الشعب من اجله وكانت حتى الوقت القريب ممكنة وبقت فرص للمراجعة والعودة الى الصواب، الا ان اليوم ضاقت المساحة واصبحت السلطة بين ايدي العوائل والاحزاب التي تدار من العوائل من جهة والمصالح الضيقة التي تدار بعمليات فساد كبرى من قبل هؤلاء والتي يمكن ان نقول بانها وصلت لعمليات مافيوية لا يمكن ان يخرج منها الشعب بسلام في وقت محدد طالما بقت السلطة كما هي وبيد هذه العقلية الضيقة الافق المسيطرة والمطبقة على الساحة بشكل مطلق دون وجود فسحة للمخلصين في توفير ارضية للولوج في سعيهم لموازنة الامر. والامرّ ان لا يعلموا وهم سبب الازمات بانهم في هكذا حال وهو مصيبة وطامة كبرى. هل من المعقول ان تضحي بالقضية الاهم من اجل هدف حزبي ضيق ومنصب هنا وهناك ومصلحة شخص او عائلة وانت في مرحلة حساسة تعتمد الامور المصيرية التي تفرض نفسها داخليا وخارجيا على مدى استعدادك للمتغيرات المنتظرة وكيفية التعامل معها.

ان الحال التي ان كنا نقدرها ونقيذمها بشكل واقعي وبعقلية معتدلة ونقول في احسن الاحوال انها مراوحة في الوحل وليس تخلفا كليا، ونا كنا نريد ان نلتفت ونريد ان نرضي نفسنا ونقول بانها نتيجة الفوضى العارمة التي تسيطر على المنطقة بشكل كامل والظروف الموضوعية التي تساعد على بقاء تلك المراوحة وليس بداية الفناء نهاءيا، فاننا ربما نخدع انفسنا قبل اي احد اخر .

وان كان احد يفكر بالحلول لم يجد امامه اي طريق يمكن ان يسلكه وان كان مخلصا لقضية شعبه الا انتظار ما يحصل دون ان يتمكن اي كان ان يعمل محاولا على تصحيح المسار. فلسنا متشائمين شخصيا لاي سبب كان عدا ما نراه ونلمسه ونعايشه يوميا ونراه من امور واافعال لا يمكن ان نتصورها ونتوقعها على ايدي الكورد انفسهم، ويكونوا هم اكبر الاسباب لسقوطهم وتراجعهم الملحوظ الان نتيجة تلك العقلية التي تدير والافعال التي لا تفرز غير ترسيخ ارضية الانهيار النهائي في اخر الامر.

في الوقت التي شكلت حكومة اقليم كوردستان قبل عقدين في مدة يسيرة فقط وكانت ابسط الامور مقارنة بما يهم مستقبل الامة، فان عملية تشكيل الحكومة الحالية تتراوح منذ اشهر طويلة. الوضع الاقتصادي في ركود دائم رغم تحسن تعامل بغداد وارساله لما يقع عليها من الحقوق شهريا، الوضع الاجتماعي في فوضى عارمة وتفرز يوميا ماهو الشاذ نتيجة عدم التخطيط والفوضى في الحال، انتشار حالات لا يمكن تصورها في واقع يحتاج فيه الكورد لاكثر ضبط وربط من اي شعب اخر في المنطقة. الابواب مشرعة لتدخلات والتجارب التي يقدم عليها من اراد ان يجعل من الساحة الكوردستانية حقل تجارب وان اثرت افرازاتها على الشعب الكوردستاني المظلوم، الثقافة في مازق وتراجع لاسباب اكثرها داخلية وسياسية مسيطرة على ركائز الحياة، وحتى الرياضة والفن يعانيان من الحالة التي اوصلتها السلطة السياسية الى ما هي عليه اليومو عزلتها بشكل تدريجي بعيدا عن ساحتها وارضها.

و هنا يمكن لاي متابع ان يسال، وان وصلنا لهنا وبما نحن فيه من هذه الفوضى من كافة النواحي، فهل من حل؟ انه عصي على حتى العقل المتفوق الباهر ان يخرج بمنفذ سهل، لو لم يحصل شيء يؤثر بشكل جذري على الموجود باي شكل وطريقة كانت، وهذا ايضا غير مضمونة النتيجة لانه سيكون عشوائي وربما تحدث ما لا يمكن توقعه من كارثة وتراجع الى مستوى الصفر بعد كل تلك التضحيات الجسام من قبل الشعب لعقود طويلة. ماذا تفعل مع من لم ير الا حدود مصالح شخصيته وعائلته وحزبه، وماذا تفعل مع هذا القدر من المستوى الثقافي العام التي تسند وتدعم الفوضى وتثبت اركان اصحاب الفوضى والفساد والتخلف. هل ننتظر ونرى ام انه ربما احيانا ستحدث مفاجئات لا يمكن انتظارها او توقعها، وهذه ما تحتاجها كوردستان في هذه المرحلة والا اننا نعتقد بانها تتهاوى في النهاية قريبة كانت ام بعيدة ان بقت على ما هي عليه.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم