أقلام حرة

الحضارة والخالق الخلاق!!

صادق السامرائيهل يستطيع الإنسان بناء حضارة من غير إيمان بوجود خالق، أو قوة مدبرة للكون الذي هو فيه؟!!

لوتخيل الواحد منا أنه لوحده في هذا العالم، ويخطو في ربوعه بلا تصور ووعي وإدراك لما يحيطه ويكون فيه، وعن سبب وجوده، وما هي نهايته، وإلى أين سيؤوب، وماذا ينتظره في قادم الأيام، هل يستطيع إنسان لا يعرف الأجوبة على هذه الأسئلة أن يقدم شيئا؟

لا أستطيع الجزم، لكن البشر قد أمضى معظم وقته فوق التراب يبحث عن أجوبة لهذه الأسئلة، وبقي في حيرته وإضطرابه وخوفه ربما لملايين السنين .

إنه الخوف العظيم الأليم الذي تملكه وشله وحوله إلى موجود إنعكاسي التفاعلات مضطرم الطاقات، ينتفض بوحشية وشراسة ويقضي على أقرب الذين من حوله، فالخوف كان مهيمنا والرعب سيدا، وعدم الشعور بالأمان ديدن التفاعلات التي يخوضها البشر، ولم يتمكن من الإرتقاء بوجوده إلا بعد أن تجسدت هذه المنظومة الإدراكية في وعيه وصار مطمئنا ومبصرا وواثقا من خطواته.

فالبشر لا يمكنه أن يتقدم أو يقدم شيئا عندما يعيش في متاهة وخوف وضياع، إذ يبدو كالذي يعمه في الظلام الحالك.

إن ولادة المنظومة الدينية الإعتقادية، إنطلاقا من أولى الحضارات التي تعددت فيها الآلهة وتصارعت وإنتهت إلى إله واحد، منحت البشرية وضوح الرؤية، وأنارت لها طريق المسير في الأرض، وشجعتها على تفعيل العقل وإستخدامه لإنجاز ما تشير إليه تطلعاتها وتصوراتها.

ولولا هذا الوصول إلى محطة الوعي الكوني والفهم الراسخ لمنظومة الوجود بأسره، لما إستطاعت البشرية أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم من إبداعات ومبتكرات وإكتشافات، وغوص في إستجلاء القوانين الكونية وأطلاق الطاقات اللامحدودة التنوع والعطاء؟

ولهذا فأن الأديان بمنظوماتها الإعتقادية المتنوعة، من الضرورات الأساسية للإنطلاق والتقدم وتنامي الحياة الأرضية، ولولا الأديان لما إستطاعت البشرية أن تخرج من عصورها النكداء وتتمسك بناصية التقدم والرقاء.

ولهذا فلا يمكن للأديان أن تكون مصدات ومعوقات للمسيرة الإنسانية، فهي ينبوع إنطلاق وإنبثاق.

لكن الأديان تم تسخيرها للنيل من إرادة الإنسان، وفي هذا  تكمن مخاطرها، لأنها كأية حالة قائمة في البشرية، يمكن توظيفها لما يناهضها من الغايات.

فالأديان صالحة وضرورية، لكنها عندما تتحول إلى بضاعة للمتاجرة فأنها ستكون طالحة!!

فهل من إدراك حضاري لجوهر الدين؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم