أقلام حرة

أدمغتنا غير مؤهلة!!

صادق السامرائيهل أن أدمغتنا تمتلك الأهلية اللازمة للتفاعل مع الحياة المعاصرة، أم أنها مبرمجة وفقا لاليات خارجة عن زمانها ومكانها؟!

الجريان قانون الحياة والدوران دستورها، وما بينهما تتجدد الأحوال وتتبدل وتتغير، وتكون الموجودات مرهونة بالتفاعل مع معطيات عصرها لكي تبقى.

ولهذا فأن الدماغ يختلف عن باقي أعضاء الجسم، ويمتلك قدرات تكيفية وآليات ترابطية تتشكل وفقا لموروثها المعرفي ومؤثراته المحيطية، ويتحقق من صيرورات وافدة من حركتي الدوران والجريان.

ولابد للأدمغة أن تكتسب خبرات ترابطية جديدة عند كل جيل لكي يتحقق التواصل ويتأمّن البقاء، فلا يمكن – على سبيل المثال – أن يعيش البشر بدماغ أسلافه قبل عشرات الآلاف من السنين، وإنما عليه أن يكون مجهزا بدماغ فيه ترابطات عُصيبية قادرة على التفاعل مع عصرها.

وفي عصرنا المحتدم، أصبحت البشرية في مأزق الأدمغة الغير مؤهلة للحياة في مستويات إدراكية ومعرفية جديدة، مما أدى إلى إنصفادها في تجمعات فئوية وتطرفية ذات نوازع إنتحارية فائقة، وكأن طاقات لا وعيها ترشدها إلى تنفيذ إرادة الإنقراض والغياب، وبهذا فهم يساهمون في تنفيذ قوانين الطبيعة التي تقضي بسقوط كل ساكن من تيار الجريان، ومحاور الدوران القاضية بالتبدل والتواكب المفيد، ولهذا لا يبقى إلا ما ينفع الناس، بمعنى ما يحافظ على أركان الحياة ويديم قدرات التفاعل بأدمغة مؤهلة لصناعة الدوائر الترابطية العصيبية الجديرة بتطوير مهارات المجابهة والتحدي والإبتكار.

نعم العالم اليوم منقسم ما بين أدمغة مبرمجة وفقا لرؤى وتصورات جامدة خامدة مندحرة في ظلمات الأجداث، وما بين أدمغة تسعى للوصول إلى الإدراك الكوني البعيد، ولهذا ففي الحالة الأولى لا تجد إلا ما يذكر بعصور ما قبل التأريخ من تصرفات شنيعة وتفاعلات مقيتة، وتصورات سوداء تعادي منطلقات ومرتكزات عصر التنوير الإنساني الساطع الذي زعزع أركان الظلام في كل مكان.

والعجيب في الأدمغة الغير مؤهلة، أنها تستخدم مبتكرات العصر الذي ترفضه للتعبير عما بداخلها من منتجات النفس الأمارة بالسوء، وتسخر طاقات الحياة المعاصرة لتأكيد معايير الحياة الغابرة، وهي تمارس بسلوكها آليات دفاعية إنغلاقية ذات مناهج إنتحارية تستخف بالحياة والإنسان، ومعطيات العصر الذي تتمتع بما يزخر به من الإبتكارت.

أي أن البشرية قد وصلت إلى ذروة ما يمكن أن يبدعه عصر من العصور، وهي في ذات الوقت تتعرض لقوى خارجة عن العصر تسعى لجرها قرونا إلى الوراء، وهذا يعني أن القرن الجديد سيكون عصر الصراعات والتفاعلات المرعبة، ما بين الأدمغة التي تريد الإنطلاق بعصرها إلى آفاق جديدة متجددة، وتلك التي تريد أن تدفنه في حفر الغابرات، وتقيده بأصفاد الظلام والضلال والبهتان، الذي صار سيّدا مطاعا في عدد من المجتمعات المنكوبة بكل ما فيها وعندها.

فهل ستتمكن البشرية من تأهيل الأدمغة للتفاعل بأبجديات العصر المشتركة، أم أنها الواقعة وما أدراك ما هي؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم