أقلام حرة

أفكارالتفاؤل والسلوك!!

صادق السامرائيكل فكرة تعصف في الكيان البشري تجذب إليها أفكارا مشابهة، وتصنع لها متراسا من الحواجز تدافع من خلفه عن جمهرة الأفكار المتفاعلة معها، والمتصلدة كأنها رصاص مصهور صب في قوالب معينة لكي يبقى دون تغيير.

هذه الأفكار عندما تتكاثف وتتفاعل تتحول إلى قوة كامنة في أعماق البشر تسوقهم إلى حيث تريد من غير إدراك منهم أو وعي حاضر عندهم.

الأفكار تستعبد البشر وتتمكن من عقله وروحه ونفسه وأفعاله، فتسخره لغاياتها وتوجهاتها وما ترغب فيه لتأكيد دورها في الحياة.

فالفكرة- أية فكرة- عندما تجد لها مكانا في رأس البشر فأنها تسخره لتحقيقها وتدفعه لبذل كل شيئ لكي تكون. والفكرة أنانية ولا يهمها الشخص الذي إمتلكته، لأنها تعتبره أداة لها ولتحقيق دورها تحت الشمس، وهي قادرة على أن تحل في رأس آخر غيره وتسخره لغاياتها.

والبشر يوفر الظروف الملائمة لإحلال الفكرة فيه، وعندما تحل الفكرة في الرأس البشري فأنها تتطور وتجذب إليها العديد من الأفكار المساندة والمستوحاة من تأريخ ذلك الشخص وتجربته في الحياة، أي أنها تستجلب حشدا من الأفكار التي تقف لتحارب معها ولتكون جيشا مأمورا بها.

ويصبح مرهونا بإرادتها وعزمها وقوتها وإندفاعها، فالشخص المكتئب الحزين يستجلب كل فكرة حزينة مرت في حياته، ويأخذ بتكديسها وضغطها حتى لتراه قد حَسِبَ الحياة لا تستحق البقاء مما يدفع به للإجهاز على نفسه وقتلها.

والشرير الذي تعصف في رأسه فكرة شريرة، فأنها ستجذب إليها كل فكرة توحي بالشر وتشجع عليه، وتصهرها في كيانه وتصنع منه أداة فاعلة لتحقيق الشر.

وعندما نعود إلى التفاؤل والأفكار الجيدة المبشّرة بالخير والنجاح وتحقيق المراد، فالفكرة المتفائلة عندما تبلغ مقامها في الرأس، فأنها ستجذب إليها أفكار النجاح والتطور، وتجعل من الفرد قوة فعالة لتحقيق النجاح والتطور.

ومن هنا فالذي يفكر بحزن ويأس، يستحضر أفكار الحزن واليأس والشك ولا يحقق ما هو مفيد في الحياة، والذي يفكر بعين التفاؤل والإصرار والتقدم والإيمان بأنه سيكون وينجز شيئا ما في الحياة، سيجذب الأفكار ذات العلاقة بالصيرورة وروح النجاح وتحقيق ما يريد ويكون حتما بها.

وهكذا فأن التفاؤل بالخير يحقق خيرا وفيرا، والتفاؤل بالشر يصنع شرا مستطيرا، ومثلما يكون الداخل البشري فانه يصنع ظاهره، ومثلما تكون أفكاره العاصفة في كيانه فأنه حتما يكون.

إن العلاقة ما بين أعماق الذات البشرية والمحيط الخارجي علاقة متبادلة ومتفاعلة، قد يكون فيها تأثير الذات على المحيط أكبر من تأثير المحيط على الذات، لأن البشر سينتقي من محيطه ما يتفق وما فيه، ويتجاهل ما لا يتفق معه من الرؤى والأفكار والتصورات ويبتعد عنها وربما يمقتها ويرميها بأوصاف سلبية.

ففي أعماق البشرية فكرة أساسية تستحضر الأفكار الثانوية، وتصنع طابورا يقاتل من أجل أن تكون رغم كل ما يجري من حولها، لأنها ستلتقط أدواتها وتنمي مهاراتها التي تساهم في صيرورتها وتحققها في الحياة، وكأنها لا ترى ما يعيقها ويمنعها من الظهور.

ومن هذا المنظور يتوجب علينا أن نعيد النظر في أنفسنا، ونتفحص الأفكار الكامنة فينا والتي تؤثر في سلوكنا وتصنع محيطنا الذي نعيش فيه، وتحقق فينا مصيبة الإنتقاء في الرؤية والنظر وكأنها "فلتر" إدراكي خادع ومضلل.

فما يدور حولنا هو من نتاج الأفكار الكامنة فينا، والتي تريد أن تكون في بيئتنا لكي يتحقق التواؤم ما بين الذات والموضوع.

ولكي نكون لا بد من صهر رصاص الأفكار السوداوية في أعماقنا بنار التفاؤل والأمل والإيمان على أن الحياة تكون مثلما نريد، وأن الأفكار الخيرة الطاهرة البيضاء التي تعيش في أعماقنا هي التي سنراها حية من حولنا.

أما إذا كانت أفكارنا سوداء فكل شيئ من حولنا سيكون أسودا معتما، ولن تنفعنا ما عهدناه من أقوال: " تفاءلوا بالخير تجدوه"، "إن مع العسر يسرا"، لأن نفوسنا وأدمغتنا قد فقدت الإحساس بها، وما عادت ذات معنى وفعالية في ربوع أيامنا، وهذا الفقدان بمعاني الكلمات وقيمة العبارات له آثاره الخطيرة على سلوكنا، لأننا قد حققنا إنقطاعا مأساويا ما بين الكلمة والفعل، وصارت الأقوال أفعال وحسب.

وعليه فأننا أمام مواجهة عاتية مع النفس ومكنونات الذات الفاعلة فينا، وهذا يتطلب جهدا عزوما وإصرارا كبيرا على التحقق والكينونة الرقاء.

فهل من إرادة منورة بقكرٍ جديد؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم