أقلام حرة

مشلكة تبعية الاسلاميين في كوردستان

عماد عليمن عايش الواقع الكوردستاني منذ عقود وتمعن قليلا في عمل الاسلام السياسي الذي ارتبط بقوى مختلفة وحصل فيها تغييرات وتراوح منحيات مكانتهم وحجمهم وفق تعاملهم مع الظروف الاجتماعية من جهة والظروف السياسية الاقتصادية لشعب كوردستان من جهة اخرى، يرى بوضوح جوهر عمل هذه القوى. هنا لا يمكن ان اقيمهم ابان النضال الثوري الكوردستاني لانهم كانوا ضمن قوة سياسية عسكرية واحدة وهي الحركة الاسلامية في كوردستان، وولدت البقية اما من رجمها او منافسا لها او تابعا لقوى اسلامية سياسية في منطقة  الشرق الاوسط، غير منسجمة مع الوسط الكوردستاني، ويمكننا ان نؤكد عدم ولادة اي حزب اسلامي من مخاض كوردستاني صافي وقح وانما كانوا وتاسست الاكثرية فيما بعد انتفاضة اذار 1991 اما انشقوا عن حزب الام بدوافع كثيرة لا يسع هنا الكلام عن جميعها او انبثق الاخر تابعا لاخوان المسلمين والمنظمات والحركات الاسلامية المختلفة الشكل والتركيب التابعة لها، وهم ارادوا نقل التجربة الى كوردستان دون دراسة وتدقيق الظروف المختلفة والواقع الاجتماعي السياسي التاريخي الجغرافي المختلف بشكل علمي.

فمن نافل القول بانهم كانوا متحالفين مع هذا وذاك من القوى الاسلامية ونفذوا ما طُلب منهم نتيجة  محاولة ضمان مصالحهم الحزبية الشخصية الخاصة بهم، وفي المقابل لا يمكن ان نؤكد بانهم جميعا خضعوا بشكل مطلق لهذه القوى التي كان لها الفضل على تاسيسهم  او دافعا بكل قواهم  لمسيرتهم، اي لم يدخلوا خانة العمالة بشكل كامل نتيجة ما بقي نسبة  معينة في تركيب وجوهرمجموعة كبيرة منهم من الحس القومي المؤثر في فكرهم وتوجهاتهم، وعليه فان من ابتلى بالعمليات الارهابية لا يعد كثيرا جدا وفق ما كانو عليه من الحجم وما امتلكوا من الاعداد الهائلة من المنتمين في مراحل متعددة من عملهم خلال العقود الماضية. وكعادتعم فانهم تحالفوا مع القوي الداخلي والخارجي دائما، ويُعد هذا خضوعا وعملا انتهازيا نتيجة  تحقيق هدف معين دنيوي وهو ضمان متطلباتهم وليس لتكامل بينتهم وتنفيذ عقيدتهم وفلسفتهم، وعليه كانوا معرضين لانقلاب مواقف القوى المتحالفة وتراجع بعضهم نتيجة ما فرضت مصالحهم على الانسحاب من تحالفاتهم التي كانت كثيرا على حساب الحس القومي والوطني والمظلومية التي الحق بالشعب الكرودستاني على ايدي الحكومات المتلاحقة  في الدول التي ينقسم فيها الكورد دون ان يلمسوا اي موقف مشرف من هذه القوى الاسلامية، هذا ان لم يكن هؤلاء داعمين للظالمين من حكام هذه الدول. فيمكننا ان نقول  حقا انهم عندما لم يصبحوا ورقة مربحة للقوى الاسلامية العالمية فلم يبال بهم هؤلاء وشعروا بان الاموال الهائلة التي صرفت لهم لم يحتل موقعا لتحقيق اهدافهم الاستراتجية وامنياتهم الكبيرة في منطقة الشرق الاوسط،  ومنهم كوردستان على الرغم بقاء شيء من الحنية بينهم، بينما تغيرت الحال كثيرا بعد سقوط الدكتاتورية العراقية واختلفت بشكل جلي المعادلات وتغيرت موازين القوى، وبعد الربيع العربي بدات مرحلة جديدة ومن ثم الانتكاسة التي اصابتهم تاثرت القوى الكوردستانية بشكل اكبر وتغير سلوك وحركات حتى المتشددين منهم .

من جانب اخر في كوردستان لم تسمح لهم الظروف والواقع الموجود من امتلاك الاحزاب لقوى عسكرية خاصة بهم والتاثير المعنوي للبيشمركَة التي كان لها الدور الاكبر في الثورة الكوردستانية التي سيطرت على زمام الامور من السلطة، ففقد الاسلاميين ابسط الطرق وهو التحالف مع العسكر، وهذا لم يسمح لهم في كوردستان كما حصل في الدول الاخرى وادوا الموالين في المواقع الحساسة للدولة اي عمل طُلب منهم من قبل الاسلاميين، وهكذا نفذوا عمليات كبرى اهترزت بها الدول كما حدث من اغتيال السادات، اضافة الى عدم وجود دولة خاصة في كوردستان بل بقي كاقليم تابع للدولة العراقية التي تغيرت بعد سقوط الدكتاتورية، فاصبح حينئذ منحنى اوضاع وامكانيات القوى الاسلامية الكوردستانية مرتبطة بالقوى العالمية والعراقية التي اتبعوها، وكان جميعهم بشكل مطلق من السنة، وهذا ما ادى الى عدم استفادتهم بشكل كبير نتيجة سيطرة الشيعة كما هو المعلوم على السلطة العراقية، ومن ثم ازداد ارتباط الكثير منهم بالقوى الارهابية وخسروا شعبيتهم وحتى  مواقعهم وسمعتهم التي كانوا يمتلكونها قبل هذا.

ما يلاحظ من القوى الاسلامية في كل مكان وكوردستان من ضمنهم بانهم يتمتعون بالانتهازية وما تسنح لهم اية فرصة يستغلونها ولكنهم يخطئون كثيرا في مراحل عزهم نتيجة فلسفتهم وافكارهم التي يعتمدون عليها في سرهم وهو السيطرة المطلقة وازاحة القوى الاخرى وعدم ايمانهم بالمشاركة والتحالفات مع القوى العلمانية حتى تكتيكيا في اكثر الاحيان.( لاحظنا كيف تصرفوا بداية الربيع العربي في مصر وكيف شاركوا في سوريا وتونس وليبيا) وهكذا فان الاسلاميين في كوردستان غيروا لهجتهم ايضا عندما لاحظوا ارتقاع منحنى القوى المماثلة لهم ولكنهم كسر شوكهم بعد فشل تلك القوى في هذه الدول التي انتفضت.

و عليه فان القوى الاسلامية الكوردستانية لم تشهد لهم مرحلة متنقلة وانما كما كانوا ضعيفين ابان الانتفاضة نتيجة سيطرة القوى العلمانية، ولكنهم ازدادت همتهم وتحركم بعد الوضع الاقتصادي الصعب والحصار الذي تعرضت له كوردستان على يد صدام، فاستغلوا هذا بالمال الخليجي وبرزت قوى جديدة وارتفع رصيدهم لحين سقوط صدام وتغييير موازين القوى، فانهم عادوا الى وضعم بعد حين.

في حين اختبأت بعض القوى الاسلامية خلف عباءات شخصيات وقوى اسلامية عربية وبالاخص الخليجية في عز مرحلة انتعاشهم على حساب العلمانيين نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، فانهم دخلوا في خانة الاهراب نتيجة  حروبهم المتواصلة في تسعينات القرن الماضي واثر هذا على مكانتهم وحددت به مساحتهم وتقلصوا كثيرا بعد ذلك، واليوم بعد الانتعاش النسبي للوضع الاقتصادي الكوردستاني بقيت هذه الاحزاب الاسلامية في دائرة معينة دون تغيير ملحوظ او كبير، على الرغم من محاولات الاسياد التي كان لهم الفضل عليهم محاولين تحركهم ودفعهم عسى يفيدون في استخدامهم في المعادلات السياسية في المنطقة، ولكن بروز داعش وانكساره وما حصل في سوريا والعراق والانتهاكات التي حصلت ما وضح ما يخبئه هذه القوى عند التسلط على اي بقعة، فان التردد وعدم الانتماء اليهم انخفض جدا بل انعدم في مرحلة طويلة والتردد من  التقرب منهم  اصبح يفرض نفسه على من لم ينتم اليهم قبل هذه الفترة.

من المعلوم ان هناك صراعا خفيا وعلنيا ايضا بين هذه القوى المنتشرة في كوردستان، وتعدديتهم تناقض ادعاءاتهم بان الاسلام الواحد هو الصحيح، وعليه انهم انقسموا الى المتشددين والمعتدلين المختلفين مع البعض والسلفيين ومن انضم بين صفوفهم الى داعش وكسر جناحهم وبرز زيف ما ادعوه من اعتدالهم، واليوم يحاولون دون  جدوى توحيد صفوفهم الا ان المصالح الكثيرة الدنيوية هي التي تمنعهم على الرغم من انهم يعيشون ويتحركون من اجل الاخرة والجنة النعيمة وحور العين وانهر الخمر والغلمان وفق ما يعتقدون ويؤمنون ويستندون عليه من النصوص. فان شعبيتهم وان تتغير وتختلف بين مرحلة واخرى استنادا على الواقع الاجتماعي الاقتصادي الكوردستاني المختلف، فانهم بنفسهم حددوا لنفسهم الدائرة والشعبية التي يلتفون حولها بشكل ثابت لمدد معينة ولحد اليوم.

ان اختلاف القومية والثقافة والتعددية الدينية الموجودة مع التاريخ المختلف عن الشعوب الاخرى من عوامل تحديد هويتهم ودائرتهم الا ان تبعيتهم للقوى الاسلامية العالمية تفرض عليهم في كثير من الاحيان الخروج من الواقع والظروف الخاصة التي تحيط بهم في كوردستان وهم موجودون ويلعبون فيها، قد تضر بهم ويدخلون في تناقضات كبيرة تؤثر على مكانتهم والثقة بهم  اكثر حتى من قبل المنتمين لهم.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم