أقلام حرة

قفشات عتب ثقافية

القفشة الاولى: سيادة الرئيس..

في السابعة والعشرين من عمري سافرت االى مدينة البصرة حاملا معي وثيقة تخرجي في الجامعة لاعمل مدرسا مساعدا في جامعة البصرة.. فاجئتني لوحة ذهبية مثبتة على الحاىط وبجوار احد الابواب كتب عليه بخط الثلث الانيق (الرئيس) كان ذلك في تموز عام 1977 .انذاك كانت هذه الكلمة لاتطلق شعبيا الا على شحص واحد هو رئيس الجمهورية.. لم اجد صعوبة في فهم معنى اللوحة اصطلاحا وصلاحية رغم محدودية ادراكي للواقع العراقي السياسي والاجتماعي والتاريخي.. فيما بعد ادركت ان هذه الكلمة لاينبغي لها أن تطلق عرفا دون تبجيل وتعظيم وتمجيد .في العراق كان الناس منجرين بوسائل الاعلام يستعملون السيادة للتدليل على التعظيم.. ولكن ما قبالة لفظة السيادة؟ السيادة للسيد وان كان هنك سيد فلابد ان يكون له عبد يتسيد عليه.. مازالت وسائل الاعلام تخاطبنا .. سيداتي سادتي.. مازال المتكلمون والمتحدثون يبدؤن كلامهم للمخاطبين (سيداتي سادتي).. في اللغات الاخرى هذه المقاربة مختلفة بشكل كبير.Ladies and gentlemen لا اظنها تشير الى المضمون ذاته.. بل انها تشير الى النبل والاستقامة والاحترام ولا تتعلق بمفهوم السيادة والعبودية…أشير هنا إلى مسألة المولى،حيث أن الكلمة تستعمل بالوجهين كسيد أو كعبد.

ويُذكر أن عمر بن الخطاب (رض ) حين أوصى للستة الذين جعل أمر الخلافة شورى بينهم، أنه قال: «لو أدركني أحد رجلين، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح». وهذا يعني إمكان تولي المولى الأمر .

عندما فاز (السيد) أوباما بالانتخابات الرآسية الأميركية حينها صدحت (السيدة) الاولى ميشيل أوباما "كم انت عظيمة يا امريكا فلقد أصبح باراك رئيسا" .كانت تلك لحظة الانعتاق والحرية بمدأها الواسع وافقها الرحب.. كيف اصبح أوباما رئيسا.. يقال إنه بمال أوبرا الإمبراطورية الإعلامية السمراء و آلة ماندينكو الأسطورية وامتداداتها الجينية الأفريقية التي انتقلت من مزارع المستوطنين الأوروبيين إلى شفراوات لوس أنجلوس.. من لم يدرك تفاصيل القصة فعليه مشاهدة فيلم ماندينكو المنتج سنة 1975.. إنها ليست دعاية أيتها السيدات وأيها السادة. بل انه مجرد رأي.

القفشة الثانية: حسين الكهربائي

المنهج العلمي في البحث الأكاديمي يستوجب منطقا محددا ولا أقول صارما مفاده الإجابة على الأسئلة الكبرى في أي قضية أو موضوع، هذه الأسئلة هي الماهية عبر (ماذا)،الكيفية او الحالية عبر(كيف)، المكانية عبر (اين) والزمانية عبر(متى) وجرت العادة أن يطلق على المكانية والزمانية والحالية مصطلح الظرفية.. ومن الجدير بالقول ان الإجابة على الماهية والظرفية ليست بصعوبة الإجابة على الكيفية. حيت أن الإجابة عن أسئلة الكيفية تقتضي الخوض في منطقة مثلث السبب والنتيجة والفعل (الديناميكا) مابينهما وهو أمر يقتضي قابلية على الخوض فيما يعرف بالتحليل والتركيب لعناصر المسألة بغية فهمها وهذا الأمر لايستوجبه البحث في مسائل الماهية أو الظرفية التي تتطلب مجرد الوصف ليس إلا إجمالا.

إن من خصائص الفكر الغربي الذي أنتج حضارتنا الانسانية المعاصرة هي القدرة الهائلة على التحليل والتركيب ثم الاستنتاج وهذا أمر معروف منذ أيام افلاطون وارسطو. .مرورا بعصر النهضة وفلاسفته فرنسيس بيكون واسحق نيوتن وكاليليو وسواهم. .وصولا الى عصر الحداثة إلى ماركس واينشتاين وهايدنبرغ وعصر ما بعد الحداثة ستيفن هوكنك.. ألامر مختلف في الحضارات عند الأقوام في الشرق وخاصة الحضارة العربية والإسلامية حيث أن المخيلة الشرقية تميل إلى الوصف وليس إلى التحليل.. فالعرب هم أفضل من وصف جمال البحر والصحراء والنجوم والجبال والسيف والأسد والكلب والطعام وجمال الحبيب.. وصفا اسطورية بليغا رائعا. منعنا من سلطان البعد الزمكاني او الظرفي.

قلت لزميل لي دعنا تقلب الأدوار تفاحة نيوتن ووجد امرؤ القيس.. كيف سيكون الأمر قال: امرؤ القيس سياكل التفاحة ونيوتن سيظل أخرسا مسمرا حائرا أمام جبل يذبل.

العتب ليس على البيئة ولا على الجينات بل على الرغبة مع التكيف البيئي .. هذا الانر يترتب عليه فوضى منطقية وسلوكية وأخلاقية لدى النظر في قضايا المعالجات والإشكاليات. في مجتمعنا العراقي لطالما عهدنا معالجات لا تمت بصلة الى صميم الاسباب .. إنها بمثابة اللعبة خارج الملعب أو خلط السكر بالشأي عبر تحريك الملعقة خارج الكوب (يخوط بره الاستكان) باللهجة العراقية البليغة! أحدهم آثار نكتة حسين الكهربائي لوصف ما قيل إنه تزايد في حالات انتحار الشباب غرقا عبر القفز من الجسور إلى مياه الأنهار. .كان هنالك من يفكر بأن يغلف جانبي الجسر تماما بالأسيجة العالية.. لقد نبه شباب الحي صديقا لهم قائلين له " قد شاهدنا اختك مع حسين الكهربائي" أجاب ببرود "لا هذا كذب لأن حسين الكهربائي اصلا لايفهم بالكهرباء".

لا مشكلة في هذا فللرجل الحق كل الحق اذ يبدو أن لا أحد يفهم سر الكهرباء،وحتى ولو تصدى أديسون أو تسلا فلا ينجو من العتب.

القفشة الثالثة: القطيع الالكتروني..

لست على يقين من أن السلوك الجمعي هي إحدى ظواهر سلوك القطيع المعروفة .. لكني على ثقة تامة بوجود هذا السلوك بشكل الكتروني cyber behaviour من خلال متابعاتي الانترنيتية .

لقد أصبحت هذه المساحة من المعرفة علما معاصرا وحديثا يعتد به منهجيا وتطبيقيا وله قواعده ونظرياته وتطبيقاته المهمة.

لاحظت أثناء محاولاتي البسيطة في تتبع أنماط التفكير عند الرأي العام في قضية معينة سلوكا باتجاههين .. مع وجود حالة توفيقية غالبا ما تكون ساذجة ووضيعة من الناحية الشكلية والموضوعية.. ففي معظم القضايا يكون الرأي الأول كتعليق مهما من حيث ريادته لما سيعقبه ويلحقه. .ثم تتوالى الآراء ضمن نفسس النمطية بشدة متباينة إلى أن يأتي تعليق مغاير مختلف سرعان ما يتزعم النمط الآخر أيضا مع شدة أو قوة متفاوتة ومابين النمطين أو بعدهما سيأتي دور الوسطيين الذي قلما يتسم بالموضوعية وان كنت لا أنفيها عنه في حالات معينة .. هذان النمطان غالبا ما ينساقان لمنطق بدائي بدوي انحيازي وان محاولات التوفيق بينهما هي محاولات ربما لاتستند إلى أساس رصين فهي تبدو كمحاولات العزل أو الفصل بين خصمين تشاجرا في مكان عام ليس إلا. .وبالمقارنة مع أنماط السلوك الإلكتروني الاجتماعي مع بعض المجتمعات الغربية ومن خلال دخولي إلى بعض غرف الدردشة في الأمور الاقتصادية والسياسة والاجتماعية وغيرها . فقد وجدتها أكثر تعددية وأكثر اختلافا من حيث الشكل والمضمون .. مع وجود رأيين سائدين أو ثلاثة فإنها غير معزولة قطيعيا وغير منمطة شكليا او موضوعيا وفي الواقع فان القطيع ليس محملا بالعتاب لكن الرعاة لايجيدون ريادة ألتنميط بل لا يدركون انهم قادته.. وهم لا يدينون بالمواقف الإلكترونية فعندهم الدين ممنوع والعتب مرفوع كما هو الحال في دكاكين مرحلة ماقبل العصر الأمازوني الذي مازال غير متاح للعراقيين لاسباب الكترونية قطعية وقطيعية متعلقة بالرعوية وليس للعتب فيها حتى على سبيل القفشة!

 

حسن الشرع

 

 

في المثقف اليوم