أقلام حرة

جنون العِقال!!

صادق السامرائيالعِقال: جديلة من الصوف أو الحرير المقصب تلف على الكوفية فوق الرأس، والجمع: عُقُل.

وله علاقة بالعَقل الذي يتميز به الحَسن من القبيح، والخير من الشر، والحق من الباطل.

والعِقال كما تعرفون يضعه على رؤوسهم الشيوخ والأمراء والملوك وغيرهم ممن يدّعون الشرف الرفيع والهيبة والسيطرة على الآخرين، وللعقال معاييره وقيمه وأخلاقه ودلالاته في العديد من المجتمعات التي داست عقلها وتفاخرت بعِقالها.

وقد يكون لونه أبيضا أو ذهبيا أو أسودا وهو اللون الشائع،  ويتخذ ألوانا أخرى وأشكالا ذات عقد وبأحجام تشير إلى المكانة والهيبة، وغيرها من المقامات الإجتماعية الطوباوية الساعية لفرض الإرادة البهتانية على جمع من الناس، الفاقدة لخيارات تقرير المصير فتركن للتبعية والخنوع والإستسلام لعِقال عتيد.

والعِقال يرمز إلى الحكمة والروية والحلم وإستحضار العقل وإتخاذ القرارا الصالح للناس، وهو كينونة إستذكارية حضورية تؤكد على أهمية العقل ودوره في الحياة البشرية، وضرورته الأساسية لمنع النفوس الأمارة بالسوء من الإنفلات.

وكأن العِقال وسيلة سلوكية لعقر أو لجم النوازع الشريرة الفاعلة في سلوك البشر، أي أنه ضرورة تفاعلية ومهمة في يناء وتنمية الأسس الإجتماعية الصالحة للحياة الأفضل.

ولهذا فهو السمة السائدة لمظهر الحكماء وأجلاء القوم وسادتهم الحلماء، وحالما يكون العقال فوق الرأس تترتب عليه مسؤولية سلوكية وقيمية وأخلاقية يجب على صاحبه أن يلتزم بها ويعبر عنها بخلق قويم.

وفي أمتنا التي أفرغت العِقال من محتواه وفحواه، وصارت تعيش في "نكبة العِقال"، أو " جنون العِقال"، لأن ويلاتها ودماراتها تأتيها من أصحاب العُقُل بأنواعها وألوانها ودرجاتها، خصوصا عندما أفسد خلقها النفط المدرار الثروات، فجردها من الحكمة والحلم والنظر السديد، وأخرجها من صراطها القويم، وأجج ما فيها من مطمورات النفوس الأمّارة بالشرور والبغضاء والعدوان والإستحواذ والإمتهان.

ووفقا لتناثر المطمورات التي لم يتمكن العِقال من إعتقالها وعقرها في ظلمات النفوس، فأن الأمة تعيش محنٍ متوالدة وتصارعات متزايدة، وإن شئت خبالات عاصفة في أركانها، ومتوافقة مع ذهاب عقلها وجنون عِقالها، وهي في هوس الإستنزاف الثرواتي والإقتداري العنيف التداعيات والإنكسارات والإنتكاسات المتلاحقة الخسران.

وجنون العِقال تدلل عليه أسئلة كثيرة، ويمكن إجمالها بسؤال ماهي الفائدة والمصلحة من كل ما يجري في المنطقة؟

ولن نجد جوابا شافيا، لكن جنون العِقال يمكنه أن يختصر الأجوبة، فهل سيُعاد العِقال إلى الرؤوس أم أنها نوازع النفوس التي عليه وعلى أهله تدوس؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم