أقلام حرة

اهل الصحافة ومسار السياسة في كوردستان

عماد عليالمعلوم ان الصحافة والعملية الصحفية بشكل عام وبكل ما تحويه والملم بها ودورهما والمنحنيات التي مرّ بها منذ قرن ونيف تقريبا في كوردستان يشير الى انها لازالت في بداية امرها ولم يثمر عنها ناتجاما  يمكن ان ياخذ دوره الحقيقي وتاثيره المباشر وموقعه الخاص لدفع حياة الناس نحو الافضل كما هي مهام الصحافة الحقيقية بعيدا عن المصالح التي يمكن ان يستغلها الجهات العديدة سلبا وتنحدر هي بما تواجه نحو احداث الاضرار الكبيرة التي تفرز ما  يبعدها عن مسارها الحقيقي.

هناك اختلافات كبيرة بين منشا ومسيرة ومهام وكيفية عمل الصحافة في كوردستان مع اي منطقة اخرى يمكن مقارنتها بها، فان كانت الارض محتلة بشكل واخر كما كانت عليه ولازالت اكثريتها تحت نير الظلم والغدر بعيدا عن حقوقها وما يجب ان تكون عليه، فان صحافتها هي  اول من يتاثر بظروفها العامة، وعليه فان الصحافة الثورية طالت مدتها ولازالت تعمل ولم تصل لحد اليوم الى الواقع الذي يمكن  ان ندعي بان الصحافة تقوم بمهامها الاصيل وتؤدي دورها المناط بها، وهي قد انبثقت بشكلها الموجود في كوردستان واتخذت صورتها وجوهرها الحالي المختلف لاسباب كثيرة وفي مقمدتها السياسية والاقتصادية والثقافية العامة للناس ومن ثم توجه وخلفية من يعمل في هذا السلك وعقليته ايضا.

ابان الثورة الكوردستانية الطويلة الامد، لم تكن اهمية الصحافة الثورية اقل من دور العسكر والبيشمركَة وما ضحوه من اجل الاهداف والمصالح العليا، كان لكلمة دورها رغم ان النتاجات كانت نادرة لعدم توفر الامكانيات التي كانت صعبة المنال في هذا المجال في ظروف عاشها المثقفون واهل الصحافة والادب في صفوف الثورة في المناطق النائية البعيدة عن المدنية. ولكن رغم ندرتها الا انها كانت اكثر تاثيرا على الناس وفرضت نفسها على اهميتها في توجيه وتوعية المتتبعين واهل السياسة والثقافة والادب وكان لها الدور المؤثر حتى على الموجودين في المدن وهم بعيدون عن الثورة، وبالاخص الادبيات الحزبية الايديولوجية والقليلة منها الفلسفية اضافة الى الادبيات الاخرى المتنوعة التي اخذت دور الصحافة في مسار الثورة الكوردستانية.

اما اليوم ونحن احرار في اقليم كوردستان ومضى حوالي ثلاث عقود فلم نلمس تقدم ملموس في مجال الصحافة سواء الحزبية منها كانت او المستقلة المتاثرة بتاريخ الصحافة ومسار الثقافة في كوردستان وظروفها. كان بالامكان ان  يكون لها الدور الاكبر الايجابي في توجيه حتى القادة السياسيين ووضع عراقيل امام طموحاتهم الشخصية المضرة والتخفيف عن كاهل الشعب ومحاولة محاربة الفساد بشكل اكبر واقوى لو كانت هناك صحافة حرة مستقلة مؤثرة منبثقة من رحم الشعب بعيدا عن الاحزاب والكوادر الصحافية التي نشات من رحم الصحافة الحزبية الايديولوجية. لو تتبعنا اكثر الاوساط الحزبية الظاهرة اليوم في كوردستان وتذكرنا انبثاق الموجود والعامل في هذا القطاع لتبين لدينا عجينة الصحافة المكونة الناشئة من رحم التنظيمات الحزبية بشكل مباشر كان ام غير مباشر. فتاريخ الصحافة الكوردستانية مرتبط بالثورة ومتطلباتها وما بدر منها في هذا المجال وعليها فانها سارت مرتبكة وبانحدارات واحيانا انحرافات كبيرة، فانها وحتى بعد الانتفاضة سيطرت  هذا النوع من الصحافة بشكل كامل على الساحة الكوردستانية ولم تظهر ما يمكن ان تكون صحافة شبه مستقلة الا قريبا جدا وكانت ايضا بمبادرة من كوادر لهم خلفيات حزبية فكرية سياسية ولهم ايديلوجيا وفلسفة خاصة مرتبطة بتوجه معين ايضا وليس من وسط صحافي بحت،  فليس هناك اكاديما صحافية مستقلة لحد هذه الساعة وحتى الاقسام والتخصصات الصحافية الاكاديمية او الجامعية مرتبطة بتاريخ الصحافة الثورية واقعيا ولم تصل الى حد القول بانها انبثقت بشكل طبيعي ومن وسط صحافي وبعقلية صحفية اكاديمية علمية مستقلة لها مهامها الصحفي البعيد عن الانحياز والحزبية.

ربما يمكننا ان نقول بان هناك من يطمح الى ان يعمل على ان ينتج صحافة حرة مستقلة تؤدي دورها ومهامها الخاص بها الا ان ظروفه المختلفة لا تدعه ان يسير على السكة الخاصة بهذا العمل والمهام. فاول المعوقات للصحافة الحرة هو الحالة الاقتصادية قبل السياسية المؤثرة، فان النسبة القليلة من القرّاء وانتشار الصحافة الالكترونية وتاثيراتها ارجعت حتى ما كانت عليه الصحافة الى الوراء كثيرا بحيث لم تدع ان تنبثق الصحافة الحقيقية الكوردستانية وهي في بداياتها وماتت من رحمها قبل الولادة حقا.

 كانت هناك محاولات خيرة من قبل الملمين والمهتمين رغم الخبرات الشخصية غير الاكاديمية او العلمية في هذا المسار، الا انهم ادوا دورهم وفق امكانياتهم وبدا ظهور بدايات نشوء الصحافة المستقلة الحرة ومن ثم دفنت بالتغييرات الكبيرة التي حصلت نتيجة سيطرة الصحافة الاكترونية وانتشار مواقع المعلومات ودور الصحافة العالمية على كافة بقاع العالم من خلال هذا المجال الالكتروني الغازي للعالم، اضافة الى الدور السلبي للاحزاب وعملهم السياسي في التاثير على الصحافة بشكل يكون لمصلحتهم الضيقة فقط دون النظر الى ما يهم الشعب بشكل عام، فانهم اي الاحزاب ادوا دورا سلبيا كبيرا في هذا المجال وانشئوا صحافة في الظل باسم الصحافة المستقلة وشوّهوا العملية التي كانت بالامكان ان تسير بشكل طبيعي كي تنبثق منها الصحافة الحرة الحقيقية وبولادة طبيعية، الا ان ما نلاحظه انهم قد اجهضوها قبل الولادة. وعليه نلاحظ تخلف الصحافة الكوردستانية وتراجعها اكثر يوما بعد اخر ولا نتوقع بروز الصحافة الحرة المستقلة بعد في كوردستان بعد اليوم، وعليه يجب على المهتمين البحث في ايجاد وسائل وطرق اخرى لاتخاذ دور الصحافة الحرة الحقيقية الايجابية على الحياة العامة للناس من كافة المجالات بعد تعسر ولادة المطلوب.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم