أقلام حرة

هل من العقل إعمال العقل في النص الديني؟!!

صادق السامرائيمفكرون وفلاسفة وكتاب ومثقفون يعزفون على أوتار "إعمال العقل في النص الديني"، ويدعون إلى توجهات وفقا لمنظورهم، أنها المعاصرة وعليها أن تكون لكي يتواكب الدين مع الحياة، ويرون أن المشكلة في الدين، وكأن المجتمعات البشرية بلا أديان وأن المسلمين لوحدهم عندهم دين.

وهذا طرح لا يتوافق مع الحقائق الموضوعية والسلوك البشري بوجه عام، فلكل مجتمع دينه، ولكل أمة عقائدها وتصوراتها، وهذا لا يعني أنها تقدمت او تأخرت بسبب الدين، فموضوع الدين أيا كان نوعه لا علاقة له بالتأخر والتقدم، ولا بالضعف والقوة، الدين حالة أخرى خاصة فردية وجماعية، وهذا ديدن الحياة منذ الأزل.

المجتمعات تتقدم وتتأخر بموجب قدراتها العلمية والمعرفية، وجدّها وإجتهادها وتفاعلها المتضامن لتحقيق هدف ما، وبنجاحها في كتابة العقد الإجتماعي الذي يحقق مصالح مكوناتها المشتركة، أما أن نتهم الدين بكل ما يحصل للأمة فهذا تضليل وتحريف، لأن الأمم والشعوب الأخرى ذات أديان ومتمسكة بها أشد التمسك، لكنها تتخذ من العلم ومناهجه سبلا لقوتها وتطورها وإقتدارها.

بعض المفكرين يريدون العمل بموجب طروحات إبن رشد في القرن الثاني عشر، وكأن الأمة قد توقفت عند تلك الحقبة وعليها أن تنطلق بقيادة إبن رشد، وما تجد في طرحهم ما هو علمي ومتوافق مع العصر، ويرون أن المشكلة الحضارية دينية بحتة، وأن العالم العربي والمجتمعات المسلمة محكومة بأفكار الغزالي في القرن الحادي عشر وإبن تيمية في القرن الثالث عشر، وهذا طرح غير موضوعي، وإن ظهر على أنه مقنع وفيه منطق، لكن ليس كل ما هو منطقي صحيح.

ويرون أن إبن رشد قد قال بإعمال العقل في النص الديني أي بالتأويل، والذي يعني أن للنص معنى ظاهري وباطني، وعلينا أن نجتهد بالتأويل الذي لا يمكنه أن يخضع للإجماع، وإنما لكل مؤوّل تأويله ورؤيته، بمعنى أن الدين سيتحول إلى أديان، والنصوص الدينية ستفقد فحواها وجوهرها، لأنها صارت تُقرأ بإقترابات لا تحصى ولا تعد، مادام العقل البشري كذلك.

والمشكلة التي يتم إغفالها أن الأديان المتنوعة تحافظ على نصوصها بجوهرها وفحواها، ولا تذهب إلى إستيلادها معانٍ لا تمت بصلة إليها، وهذه النشاطات الإقترابية من النصوص تخضع لمراجعات من قبل مجامع علمية فقهية متخصصة في علم الكلام أو اللاهوت، وليس من السهل القول بأن هذا النص يشير إلى كذا وكذا دون الإعتماد على آليات بحثية دلائلية إسنادية سليمة وقويمة.

أما في الواقع العربي اليوم فأن هناك موجة من الطروحات التي تستهدف الدين بذريعة إعمال العقل بالنص الديني، وبسبب ذلك فأن العديد من الحركات السيئة والمجاميع الشريرة قد أخذت تتأسس بناءً على ما تؤوله وتستنتجه، وفقا لعقلها المريض وعاهاتها النفسية الفاعلة فيها، ذلك أن النصوص الدينية أو أي نص آخر يمكن إستيلاده ما لايحصى من المعاني والغايات، أي أن النص يمكن أن يُمتطى ويؤخد نحو أي جهة يُراد السير نحوها، لأن النص حمّال أوجه، ولهذا فعلينا أن نتمسك بالمقاصد الجوهرية للنصوص ولا نشوهها ونحرّفها فنقضي على الدين.

إن ما أصاب الأمة ومنذ قرون وحتى اليوم منشأه إعمال العقول بالنصوص الدينية، ولهذا تأسست العديد من وجهات النظر والرؤى التي تحولت إلى  مذاهب وطوائف وفرق وجماعات، ولو أحصينا عددها لوجدناها أكثر من عشرات الآلاف، وقد أشار إلى ذلك منذ قرون "إبن الجوزي" في كتابه العجيب " تلبيس إبليس"، وكأننا نريد ترجمة ذلك الكتاب والتعبير عما ذكره في عصرنا العتيد.

فعلينا أن نخرج من هذا الإقتراب الإنحرافي ونركز على العلم والتفكير العلمي والتعليم والإقتصاد والبنى التحتية، ورفع مستوى المعيشة وتحقيق رفاهية الإنسان وإعلاء قيمته ودوره في بناء الحياة، وتدريب الأجيال على إكتساب مهارات صناعة الحياة بحاضرها ومستقبلها، بدلا من هذه الجعحعة التي لا تأتي بطحين!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم