أقلام حرة

برنارد"نا و"برنارد"هم!!"

صادق السامرائيهذه قصة حصلت لزميلي الذي خصني بتفاصيلها منذ زمان لكي أكتب عنها وما إستجبت له، لكن تعليق الأستاذ عبد الرضا حمد جاسم  على مقالة " النخبة  ومصير الشعوب"، أعادتها إلى الحياة ووجدت من المفيد أن أكتبها.

يقول زميلي: أنه تدرب في حقل إختصاصه مع أحد الأساتذة المعروفين في بلاده، وبعد أن حصل على الشهادة العليا، تطلع للعمل في الجامعة  التي أعلنت عن وجود شاغر بإختصاصه، فقدم طلب التعيين ووافق عليه مبدئيا عميد الكلية، وطلب منه أن يأخذ الأوراق إلى رئيس القسم الذي سيعمل فيه لكي يطلع عليها ويبدي رأيه، فذهب مبتهجا إلى أستاذه الذي يحترمه كثيرا وينظر إليه بتقدير وإكبار، وقال لي، ما أن قدّم له الأوراق حتى تحول إلى وحش ثائر بوجهه، فأغلق باب غرفته وراح يزمجر قائلا بغضب:

" كيف تتجرأ على طلب العمل معي في القسم؟ّ!!"

ومضى بعباراته السلبية التي ختمها وهو يرمي الأوراق عليه : " لا مكان لك هنا، إذهب وإفتح دكان!!!"

يقول زميلي: "أخذت أوراقي وأنا في دهشة وإحباط مصعوقا بما حصل، فحزمت أمتعتي وغادرت البلاد، وعشت مهاجرا مغتربا، وإجتهدت وتحدّيت حتى تمكنت من الدخول في ميادين إختصاصي، ووجدتني أعمل مع أستاذ لا أعرفه ولا يعرفني، لكنه من البارزين الذين أعانوني على التفاعل الجديد، وصار صديقا لي، وكان مسرورا أن ينشر معي الدراسات، ولا يعنيه إن كان إسمه آخر الأسماء"، ويضيف زميلي أن أستاذه كان يطلب منه أن يبقى في القسم بعد التدريب لكي يحل مكانه حين يتقاعد.

ومرت الأيام وذات يوم كان يمشي مع أستاذه في مؤتمر علمي وإذا بأستاذه الذي تفاعل معه في بلده بذلك الأسلوب قد حضر صدفة، فاحتفى به وحيّاه وعرّف زميلي أستاذه الجديد بأستاذه القديم، وراح الأستاذ الجديد يتكلم بإيجابية عنه، وأستاذه القديم يتأمل الموقف بنظرات دهشة وحيرة.

يقول زميلي: وقررت أن أأخذ صورة بينهما، وكنت أشعر كأنني معلقا بين السماء والأرض.

وزميلي لا يزال يكن الإحترام لأستاذه الأول الذي إستكثر عليه أن يكون معه في القسم، وما تحامل عليه أو أبدى له شعورا غير حميد.

هذه صورة واقعية متكررة في مجتمعاتنا، وخلاصتها أن الأجيال لا تحترم بعضها ولا تتواصل ولا تتفاعل بإيجابية، ويتضح الأمر في المناقشات التي نسميها علمية، حيث تبدو الحالة وكأنها صراع أو تناطح ما بين أنا وأنا.

كما أنها تشير إلى فقدان الخُلق العلمي والحضاري، وتعبّر عن أمية صارخة بمهارات بناء القوة والإقتدار، وهي من العوامل المؤثرة في صناعة السلبية والتنافرية التي تمنع نجاح أي عمل جماعي في مجتمعاتنا، كما تؤكد عدم توفر سلوك نكران الذات، بل السائد أن الذات تتضخم وتتأزم وتتطوأس وتدمر وتتدمر، فهذه هي الشجاعة والرجولة والقوة والعزة والكبرياء.

ويمكن تحليل القصة والتوسع بمدلولاتها وأسبابها ومعطياتها والعوامل الفاعلة فيها.

وأكتفي بما تقدم، وأترك للقارئ أن يستنبط منها بعض المعاني والدلالات ليتعرف أكثر على أسباب تأخرنا!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم