أقلام حرة

بوح الحسرات!!

صادق السامرائيالمقالات، القصائد، القصص، والنصوص، وما تجيد به قرائح المبدعين بأنواعهم ومشاربهم وإهتماماتهم، جميعها وبلا إستثناء تشترك في كونها تمثل "بوح الحسرات"، أي مكتوبة بمداد الحسرة واللهفة والتشكي والتظلم، وتميل إلى جلد الذات والإمعان بالرثاء الذاتي والموضوعي، وفي إطار أسود، وألوان قاتمة لا تعرف  الحياة، بل تستضيف ألوان الموت والغياب والإنقراض.

ما هذه الكتابات، وكيف يكون هذا هو الإبداع؟!!

ما نقرأه عبارة عن لطميات وبكائيات وندب ما بعده ندب، ترى أ بهذا تُبنى الأمم وتتطور الأوطان، وتحقق الأجيال كينونتها المُثلى؟!!

فمجتمعات الدنيا مرت بظروف أقسى مما تمر به مجتمعاتنا، لكنها تصدت لها بإقدام وإصرار وإيمان وثقة بالنفس وقدرة على تجاوزها، وكان لنخبها الثقافية الدور التنويري والتأهيلي الفعال لتحدي محنها وملماتها الجسام.

فأوربا بدولها المتنوعة قد عانت الويلات تلو الويلات بتصارعاتها الطويلة مع بعضها، لكنها تعافت منها وتحررت من قيودها وإنظلقت في فضاءات حياة أخرى منورة بالأفكار الإنسانية الوهاجة السامية.

وكذلك الصين واليابان والكوريتان وحتى أمريكا، فهذه أمم وشعوب مرت بظروف شرسة قاسية أوردتها الحروب والدمارات والخرابات والصراعات الداخلية المريرة، لكنها أوجدت قادة حكماء ونخب ألباء أناروا دروبها ورسموا خرائط وجودها القادم.

فهذه المجتمعات حققت إرادتها لأنها كانت تفكر بصناعة المستقبل، وما توطنت في ماضيها ولا تمحنت بما حصل، وإنما الإقدام والتوثب ديدنها، ودينها صناعة الحياة الأفضل.

أما في مجتمعاتنا فأن النخب كافة لا تجيد سوى البكائيات والرثائيات والتعبير عن الفشل والخسران والإنكسار والتأكيد على الحطام والإنهزام، حتى صارت النكسات من ضرورات الحياة في مجتمعات تحارب أحياءها وتحي أمواتها، وتحسبهم هم الأحياء.

إن المطلوب من النخب الثقافية الكتابة بمداد الحياة وحبر المستقبل، وأن يتمكن الإبداع من إستحضار المستقبل بدلا من الإمعان بتجسيد الماضي والإنقضاض به على الحاضر، وتحويله إلى أصنام مقدسة، ونسف أسس الحياة وعناصر المستقبل، فالعلة في النخب التي تجيد النحيب على الأطلال وتمعن النظر في الحفر.

فهل من قدرة على الكتابة بروح ذات إرادة متفائلة وقدرة على البناء والعطاء الأصيل، بدلا من التحسر والعويل؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم