أقلام حرة

تحديد اللاتحديد!!

صادق السامرائيمن طرائف الحكام في بلداننا أنهم يتحدثون عن تحديد النسل ويعيدون ذات الكلمات والإقترابات، وما فكروا بتغير المنهج والعمل العلمي والموضوعي للتصدي للمشكلة، التي تتفاقم مع الأيام والموارد تقل والقدرة على إستيعاب القادمين إلى ميادين الحياة تضعف وتتهاوى.

فعلى سبيل المثال لو تتبعتم خطابات رؤساء مصر منذ جمال عبد الناصر وحتى اليوم، لرأيتم أن الجميع وبلا إستثناء قد تكلم بذات الأسلوب وما تمكن أحدهم أن يجد حلا لمشكلة زيادة النسل، وربما يكون الرئيس الحالي قد إقترب منها بأساليب معاصرة وذات قيمة علاجية.

والأغرب من ذلك أن العديد من الكتاب والمفكرين يبررون المشكلة على أنها بسبب الإرث الثقافي والديني الذي يمنع تحديد النسل، وبهذا يتنصلون عن المواجهة وإبتكار الحلول المعاصرة.

ويتناسى الجميع أن السلوك البشري مرهون بآليات بقائية لا يمكن الإنتصار عليها إلا بتوفير ما يؤمنها، أما إذا فُقد الأمان البقائي فأن المواجهة تكون بزيادة النسل، مثلما يحصل في عالم الأسماك التي تأكل بعضها، ولكي تدوم لابد لها من التناسل المليوني لتحافظ على نوعها.

وفي واقع مجتمعاتنا أن الحياة غير آمنة وناعور القتل يدور وبسرع متفاوتة، والفتك بالبشر ومحق قيمته ودوره في الحياة على أشده، ونطالب الناس بتحديد النسل، وهذا يتنافى مع الطبيعة البقائية ويدفع بهم إلى التناسل الأسرع والتكاثر الأبرع.

إن تحديد النسل سلوك يستدعي توظيف الطاقات الإقتصادية والفكرية والثقافية والعلمية لتأمين أسباب البقاء والعيش الرغيد للناس، وعندها سينهمكون بصناعة الحياة والشعور بالمسؤولية وضرورات تواصل الأجيال وتطورها ونمائها، عندها سيدرك البشر أن عليه أن يربي ويبني جيلا متفوقا عليه لكي تتقدم البلاد وترتقي، وهذا يعني أن يقظة أمل قد دبت في ربوع وعيه، مما يدفعه إلى العطاء الأوفر والإستثمار بطاقاته البقائية بإنتاجية عالية بدلا من التناسل.

وهذا واضح في المجتمع المتقدمة، ومنها اليابان التي تعاني من محدودية النسل، وكذلك الدول الأوربية، مما يدفعها لإتخاذ الهجرة وسيلة أسهل للحفاظ على قوتها العاملة وإنتاحيتها العالية.

أما في مجتمعتنا فأنظمة احكم تفتقد الآليات الصائبة للتصدي للزيادة السكانية، وعاجزة عن توفير ميادين صناعة الحياة والإستثمار بالطاقات البشرية، وما تقدمه هو التشكي وإلقاء اللائمة على الإنسان البسيط المحروم الذي لا شيئ عنده يقوم به ويشعر بالسعادة إلا التناسل.

فلكي يتحدد النسل يجب أن يشعر المواطن بأن الحياة آمنة ومستقرة وتتوفر فيها أسباب العيش الكريم، الذي يدعوه للمساهمة بديموته وتنميته وبذل جهده وطاقاته في المشاركة بصناعته وتقويته، وعندها سيحسب ألف حساب قبل أن يفكر بالإنجاب.

فحرروا الإنسان من قيود الحرمان وسيعرف طريقه الصحيح!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم