أقلام حرة

العاجية!!

صادق السامرائيالمقصود بها أن يتبوء الشخص مكانا معزولا عن الجماهير ويبدأ بالتنظير والتفكير بأحوالهم، وهو في حقيقة أمره لا يعرفهم ولا ينتمي إليهم، مما يؤدي إلى إنتاجية عالية من العطاء العاجي أي المنقطع عن هموم الجماهير وتطلعاتها وما تعانيه وتكابده في أيامها.

وهذا ميل يجنح إليه الكتاب والمفكرون والمثقفون، وينغمسون فيه إلى حد الإنقطاعية التامة عن ذاتهم وموضوعهم، وينعكس ذلك على ما يكتبونه ويبدعونه، فتراه بلا جدوى ولا قيمة وإنما نابع من وحي الفراغ ومحلق في فضاءات العدمية.

وبسبب ذلك فشل المفكرون والمثقفون في صناعة التيار الثقافي الحضاري اللازم لصناعة الحاضر والمستقبل، مما أدى إلى طغيان الطوفان الماضوي والإنتكاس المتواصل للأجيال وتقديسها للماضيات وإندساسها في الغابرات.

فعندما نقرأ المقالات والإبداعات الأدبية وغيرها من النشاطات الثقافية تجدنا في محنة الإبتعاد عن الواقع ونبذ الواقعية، والتحليق في متاهات الرمزية والغموض والتعقيد والتشويه والتضليل، وإصابة القارئ بالدوار والغثيان، وإفراغ رأسه من منطلقات الكينونة والحياة.

ولو نظرنا في أقلام أي إختصاص أو إهتمام أدبي أو ثقافي أو علمي، لوجدنا أن المكتوب لا يمكنه أن يكون مهضوما ومفهوما من قبل القارئ، ولا تعرف لمن يُكتب، ولماذا يبذل الكاتب هذا الوقت والجهد للإتيان بما لا ينفع الناس؟!!

وعندما نقترب من العلم وما نكتب عنه، تجدنا في ماساة لأن الساخة الثقافية خالية خاوية جرداء من المقالات العلمية بأنواعها، وما يسود فيها هو كتابات التشكي والتظلم والعدوان والإتهام والإسقاط والتبرير ورفع رايات " هو"، ومحاولة التنصل من المسؤولية وتأكيد الإذعانية والقدرية والتواصي بالخرافات والهذياننات المساهمة بإستعباد الناس ومصادرة عقولهم.

وتميل معظم الكتابات إلى تقديس الأفراد وخصوصا الأموات والإمعان بالتنكيل بالأحياء من ذوي القدرات التنويرية والتحفيزية لبناء حياة أفضل، بل أن المطلوب إشاعة الثقافة الموتية وتأمين مسيرة السقوط في ميادين سقر، وفقا لمنطلقات تضليلية وهذيانات تسمى دينية، وما هي إلا أساليب لتمرير مطامع ومصالح الآخرين الذين يوظفون ذوي النفوس السيئة للنيل من البلاد والعباد.

فذوي الأقلام الممولة هو الذين يسودون، وذوي الأقلام العفيفة يترنحون في صوامعهم العاجية، ولا يقتربون من الحقيقة ولا ينطقون بلسان الواقع ولا يمتلكون الجرأة على مواجهته والتفاعل المتحدي معه، ويبدو أن الإنزواء في البيوت العاجية تعبير عن الخوف وتأكيد لسلوك الرعب، لأن الذين يتسيدون أشد وحشية من وحوش الغاب السابغة.

لكن الحياة لا يمكنها أن تتطور وتأنس بمستقبل أزهر، من غير مواجهة مدوية ما بين إرادة الحق والباطل، وبين قدرات الشر والخير، وذلك هو ديدن التوصل والبقاء.

فهل من صرخة "أنا موجود"؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم