أقلام حرة

مشروع صهينة مسيحيي سهل نينوى

صائب خليلتحت عنوان "واشنطن ترث «داعش» في سهل نينوى" نشرت جريدة الأخبار اللبنانية تقريراً من عدة أجزاء يتحدث عن جهود لتحويل مسيحيي سهل نينوى الى "انجيليين" موالين للصهيونية وداعين لإسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات!(1)

ويقوم بمتابعة المشروع وتحريك العملاء في العراق، نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، الإنجيلي المتطرف المعروف بولائه التام لإسرائيل. وعلى الأرض، يقوم بمهمة قيادة التنفيذ، مسعود البارزاني واسامة النجيفي قيادي تحالف «الإصلاح والإعمار».

ووصفت «الأخبار» مسعود البرزاني واسامة النجيفي بانهما "فلّاحان" لزراعة سهل نينوى بما تريده اميركا، أي "زرعه" بمسيحيين داعمين لإسرائيل.

وتدعو «الكنيسة الإنجيلية» التي يسعى المشروع لنشرها في العراق إلى قيام دولة «إسرائيل الكبرى»، والتي تعني ضم مساحة قد تزيد عن نصف مساحة العراق إلى إسرائيل.

وتحدثت «الأخبار» عن مساعٍ «مجهولة التمويل» لتهجير المسيحيين السريانيين والكلدانيين من العراق عموماً وسهل نينوى خصوصاً، بالتوازي مع نشاط كبير لـ«الإنجيليين» هناك. وربطت بين الجهود الأمريكية لصهينة سهل نينوى، ومحاولة أميركا "اقتلاع شجرة الحشد". وقد بدأ الأميركيون هجومهم الجديد على «الحشد الشعبي»، باتهامه بمنع المسيحيين من العودة إلى ديارهم، وهو ما كذبه مسيحيون قياديون في الحشد.

وللسيطرة على من يحكم ذلك السهل، تتحجج أميركا (إسرائيل) إلى جانب ادعاء النشاط «التبشيري»، بشعارات مثل "الحفاظ على التعدد القومي" و  "قانون منع زعزعة إيران لاستقرار العراق". وتستفيد في هذا من دعوات يطلقها مشبوهون بين فترة وأخرى، تدعو للاعتراف بـ "إبادة" هذه المجموعة أو تلك، مع التركيز عادة على ضرورة “تدويل” القضايا.

ومثل معظم المشاريع التي تنفذها اميركا في الشرق الأوسط، يمكن بسهولة ان نرى ان هذا المشروع إسرائيلي وليس أمريكيا. وهو ليس سوى استمرار للخطوات غير المسبوقة لترمب تجاه إسرائيل وضد العرب والمسلمين، مثل نقل السفارة الأمريكية الى القدس والتبرع بالجولان لإسرائيل وغيرها، وهي خطوات ليس لأميركا اية مصلحة فيها، ولا تجلب لها أي شيء إلا العداء والكره الشديد من العرب والمسلمين.

لكن تنصيب ترامب على رئاسة الولايات المتحدة، ليس سوى استيلاء صهيوني مباشر على السلطة في الولايات المتحدة، وبشكل أكبر من أي وقت مضى. ويتضح هذا من القرب غير الطبيعي بين الإنجيليين الموالين لإسرائيل وترمب الذي صعد بفضل أصواتهم. حيث صوت له 81% منهم، علماً انهم يمثلون ربع الناخبين الأمريكان، ويشكلون نسبة كبيرة في الولايات الحساسة التي تكون فيها اصوات الحزبين الكبيرين متقاربة، مثل اوهايو، والتي تقرر عادة من يفوز في الانتخابات.(2)

وقد اختار ترمب مايك بنس، احد اشد "المسيحيين الصهاينة" تطرفاً، نائباً له، وكذلك وزير دفاعه بومبيو. كما كان 4 من ستة وعاظ احتفال تنصيبه من الانجيليين.

وقد انتخب ترمب احد الانجيليين أيضا لرئاسة المحكمة العليا رغم التهم التي تلاحقه باغتصاب طفل!

«الإنجيليين» الذين يريد ترمب تحويل مسيحيي العراق اليهم، يرون في اسرائيل، العامل المسرّع لأحداث نهاية الزمان، والظهور الثاني للمسيح لتوحيد «مملكة الله».

وتأتي هذه المؤامرة الخطيرة في الوقت الذي يعيش فيه العراق اضعف حالاته واشدها هزالاً وشللاً امام أي تحد، بعد ان قام الصدريون وتحالف الحشد، بتنصيب المشبوه بالتبعية الأمريكية التامة "عادل عبد المهدي" رئيساً لحكومة العراق، وبدعم واضح من المرجعية التي تحاول ان تنكره، مثلما تحاول بقية الأطراف التملص من مسؤوليته.

ما مدى صحة الاخبار عن ذلك المشروع في سهل نينوى؟

أثيل النجيفي المطارد قضائياً بتهمة التعاون مع داعش كما اعترف بنفسه، والذي يرأس الآن تحالف “القرار”، علق بأن الانباء التي تحدثت عن وجود مساعي أمريكية لتغيير عقيدة المسيحيين في سهل نينوى، "غير حقيقية"، مؤكداً أنها "مجرد رد ايراني على المحاولات الامريكية لتبني مشكلة المسيحيين في سهل نينوى، خصوصا ان هناك مسيحيون لديهم مشكلة هناك، اصطدمت مع قضية الشبك في هذه المنطقة، والإيرانيون تبنوا قضية الشبك واصطدموا مع المسيحيين". وبين أن "الجهات المدعومة من إيران تريد اليوم أن تظهر قضية ثانية لغرض جلب المسيحيين اليها، او اخافتهم من الدعم والنفوذ الأمريكي".

وأضاف ان "الحديث عن تغيير المذاهب من قبل واشنطن، مجرد خيال".. اما السبب في تأكد النجيفي من انه "مجرد خيال" فيقول: "لا يوجد اي مسؤول في الولايات المتحدة الأمريكية يمكن ان يفكر بمنهج ديني او مذهبي بهذه الطريقة"، مؤكدا ان "الهدف من نشر مثل هكذا انباء هو محاولة منع النفوذ الامريكي من التواجد في سهل نينوى، عن طريق اثارة هذه القضية".

ويمكنننا ان نضحك كثيرا من فكرة انه "لا يوجد مسؤول في الولايات المتحدة الأمريكية يمكن ان يفكر بمنهج ديني او مذهبي بهذه الطريقة" و الحقيقة انه يكاد لا يوجد في إدارة ترمب مسؤول لا يفكر بهذه الطريقة!

مضحك أيضا ومفهوم محاولة ابعاد الضوء عما تفعله أميركا بإلقاء اللوم على ايران بهذه الطريقة المضحكة، ولا ندري لماذا تريد ايران "جلب المسيحيين اليها" كما يقول. ولا ندري ايضاً لماذا يعتبر منع النفوذ الأمريكي في المنطقة عملاً سيئاً.. أو بالأحرى ندري جيداً! فإضافة الى تاريخه المشبوه بكل الرزايا من التعاون مع داعش الى مشاريعه لتقسيم نينوى الى ستة اقسام (وهو تاريخ يكفي ليضعه بيد الموساد مقابل حمايته) فأن اخوه أسامة متهم مع مسعود في الضلوع بالمشروع، كما ذكرنا.

كذلك علق النائب السابق عن المكون المسيحي، الشيوعي جوزيف صليوه ، والمعروف بتصريحاته الاستفزازية تجاه المسلمين واشارته ضمناً أكثر من مرة إلى أنهم "ليسوا السكان الأصليين" في العراق، ودفاعه الصلف عن المطبع العربي الذي زار المسجد الأقصى وابدى اعجابه بإسرائيل. عن مشروع صهينة المسيحيين، قال صليوه  إن "المسيحين لا يقبلون بأي شكل من الاشكال تغيير دياناتهم او مذاهبهم"، لكنه اضاف أن "الكنيسة الانجيلية نشطة واستطاعت ان تقنع الكثير من غير المسيحين الى اعتناق المسيحية الانجيلية حسب معتقداتهم من خلال سلوكيات على ارض الواقع وبعيدا عن الشعارات الرنانة".

وتشم من الكلمات المستخدمة تناقض يعبر عن شخص محرج. فهو يريد التأكيد بعدم استهداف المسيحيين، لكنه يعترف ان الكنيسة الانجيلية قد روجت المذهب بين آخرين "على ارض الواقع وبعيدا عن الشعارات الرنانة"!

ولكن ما هي الشعارات الرنانة هنا؟ وما هي "ارض الواقع"؟ انها عبارات بلا معنى ولا تفسير لها الا ان الرجل محرج. ومعروف ان عبارة "الشعارات الرنانة" عبارة مستهلكة لكثرة الاستعمال بين أوساط المطبعين الداعين للاستسلام لإسرائيل.

يعود صليوه ليعترف بأن "مجموعة قليلة جدا" من المسيحين الارثدوكس او الكاثوليك، ذهبوا الى الكنيسة الانجيلية “لقناعات معينة شخصية”، اما “التطبيل” لهذا الموضوع فهو بغير محله وإساءة، ويراد منه فتنة وذريعة من اجل خلط الاوراق.

صليوه  يبدو حائراً كيف يمنع الحديث عن المؤامرة. فوجود هذا النشاط الغريب هو السؤال، وليس ان كان قد نجح كثيرا ام قليلا حتى الآن. وحقيقة كونه موجه للمسيحيين أيضا، حقيقة خطيرة أخرى. فهو الدليل على أن الهدف من هذا "التبشير" هو الكنيسة الانجيلية الصهيونية بالذات وليس "المسيحية" عموماً، وهو دليل قاطع على ان الهدف هو صهينة سهل نينوى بالفعل.(2)

يتزامن ويتعاون مع هذا المشروع، تفعيل قانون امريكي سمي بقانون " منع الزعزعة الإيرانية لاستقرار العراق"(3) والذي يعد اكثر اجراء امريكي في صلافته في التدخل بشؤون البلد وإلغاء سيادته مستغلين الخنوع التام لحكومة التحالف الصدري مع الحشد ودعم المرجعية. ويمثل هذا القانون تهديداً مباشراً لأي عراقي يفكر في انتهاج موقف لا يناسب اميركا، كما اشرت في مقالة لي(4)

وسيستخدم القانون لتبرير التدخل، وبشكل خاص لصالح مشروع صهينة سهل نينوى. ويتضح ذلك من الهجوم على الحشد من خلال التطبيق الأول لذلك القانون، حيث استهدف اثنين من الحشديين المسيحيين الرافضين لتلك الصهينة. فقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على آمر «اللواء 30» في «الحشد الشعبي» (لواء الشبك)، المنتشر في منطقة سهل نينوى، وعد قدّو، وقائد «كتائب بابليون» (قوة من المسيحيين الكلدان تعمل ضمن صفوف «الحشد»)، ريان الكلداني. وكان الأخير قد اعلن «(أننا) منعنا منظمات أميركية وأخرى غير معروفة من العمل في تلك المنطقة... إنها إسرائيلية وترتبط بالموساد، وهذا خطرٌ على مجتمعنا المسيحي»، مضيفاً إن «السفارة الأميركية تواصلت معي عبر وسطاء، ودعتني إلى طاولة مفاوضات لاستمالتي، لكنني رفضت... هم يريدون منا الانبطاح لهم».

ويردّ المتهم الآخر، قدّو، على الاتهامات الأمريكية للحشد بمنع المسيحيين من العودة لبيوتهم، بالقول إن «اللواء 30 سهّل عودة النازحين المسيحيين، وهيّأ احتياجاتهم اللوجستية لعودتهم خلال الفترة الماضية، فضلاً عن تسهيله عودة نازحين شبكيين وتركمانيين إلى السهل» (71 قرية شبكية و14 تركمانية).

وكالعادة، يصاحب مثل هذه الحملات، حملات إعلامية مختلفة الوسائل، مثل "الناشطين" و شخصيات تظهر من حيث لا يعلم احد مثل هذا الشاب الذي انتشر فيديو له بشكل غير طبيعي، وهو يروج للعقوبات الامريكية ويعرض حججاً لها ويفخر بإسرائيل(5)

وتزامناً مع هذه الخطة نلاحظ الاهتمام "الأمريكي" بما يسمى "قبر النبي ناحوم" (اليهودي)، والذي منعت داعش عنه رغم انها كانت على بعد 10 كلم منه فقط! وتبرعت الولايات المتحدة بنصف مليون دولار لترميمه وتطويره بعد زيارة القائم بالأعمال جودي هود، والقنصل العام ستيف فاغن، للموقع، ووصفهما إياه بأنه «غني ثقافياً ليهود المنطقة" ثم اضافا: "... وكذلك للمسيحيين والمسلمين».

وبدلاً من التصدي لمشروع تحطيم بلاده، سارع عبد المهدي كما هو متوقع بأداء دوره في المؤامرة بإعلان “إعادة انتشار” لـ «اللواء 30» وتسليمه مواقعه في سهل نينوى (كوكجلي، والشلالات، والتحرير، والسلامية، وبعشيقة) لقوات الشرطة المحلية (أي ذات القوات التي سلمت الموصل لداعش، مع أسلحتها).

ومن المعروف أن الخندق الأمريكي – الإسرائيلي  - الكردستاني، يعتبر وجود عبد المهدي، على رأس الحكم، "فرصة لا تعوض" لمثل هذه المشاريع، تماماً مثل وجود ترمب على رأس الحكومة الأمريكية، ومن الواضح ان هناك استعجال كبير لاستغلال هذه "الفرصة" لإحداث تغييرات على الأرض لا يمكن تعديلها لاحقاً.

 

صائب خليل

......................

(1) واشنطن ترث «داعش» في سهل نينوى

https://www.al-akhbar.com/Iraq/274185/

(2) روابط عن علاقة ترمب بالإنجيليين

«الإنجيليون» وترامب: على قلب رجل واحد

https://www.al-akhbar.com/Iraq/274182/

Trump Elected President, Thanks to 4 in 5 White Evangelicals

https://www.christianitytoday.com/news/2016/november/trump-elected-president-thanks-to-4-in-5-white-evangelicals.html

Making sense of evangelicals' support for Trump

https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/jun/07/evangelical-americans-trump-supporters-progressives

(3) هل سيغيّر المسيحيون في العراق عقيدتهم للإنجيلية؟.. ما علاقة واشنطن!

https://baghdadtoday.news/news/91629/

(4) قانون منع الزعزعة الإيرانية لاستقرار العراق لعام 2017

Preventing Iranian Destabilization of Iraq Act of 2017

https://www.congress.gov/bill/115th-congress/house-bill/4591?q=%7B%22search%22%3A%5B%22h+con+res+107%22%5D%7D

(5) قانون منع الزعزعة الإيرانية لاستقرار العراق – مخلب امريكي آخر في عنق البلاد

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2497370773653310

(6) ناشط مشبوه يروج للعقوبات الامريكية ويفتخر بعلاقته بإسرائيل – الفيديو نشره ايدي كوهين

https://www.facebook.com/DrEdyCohen/videos/1482460591893627/

 

في المثقف اليوم