أقلام حرة

التكرار يُحجّر الأفكار!!

صادق السامرائيالتكرار يعني إعادة تحفيز وتنشيط الدوائر العُصيبية في الأدمغة، مما يساهم في تقويتها وتأمين غستجاباتها الإنعكاسية وبسرعة خاطفة، لأنها قد إمتلكت زمام الهيمنة والسيطرة على الدماغ .

ويبدو من الأبحاث أن الدماغ يعمل وفقا لمنظومة دائرية معقدة ومترابطة، وذات قدرات تفاعلية متباينة ومرهونة بالطاقة الكامنة فيها، ولا بد لدائرة ما أن تسود وتتعزز وتتمكن من التحكم بمعطيات الدوائر الأخرى التي ستكون تابعة لها.

ويبدو أيضا أن البشرية ستنتقل من الفهم الكيميائي والبايولوجي إلى الفهم الفيزيائي للتفاعلات الدماغية، فالدماغ جهاز فيزيائي وإن كانت مكوناته خلايا ذات نسيجية وبايولوجية معروفة، أي أنه حلقة الوصل ما بين الفيزيائي والكيميائي والبايولوجي، وبهذا فهو جهاز نادر ومؤثر في صناعة الحياة وبناء المنظومة التواصلية ما بين المخلوقات.

فالحياة رهن الأدمغة، وبدونها تنتفي وتغيب، لأن أي حالة حية عليها أن تكون محكومة بمركز ينظم إيقاعاتها الحيوية، ولكي تقتل الكائن الحي عليك أن تفصله عن دماغه، لأنه أصل الحياة وقائدها.

وبما أن التكرار الوسيلة الأمضى لترسيخ أية فكرة في الأدمغة وإطلاق عنان هيمنتها على سلوك الكائن الحي، فأن جميع المعتقدات والأفكار والتوجهات ذات سلوكيات تكرارية أو طقوس وسواسية بالمواظبة اليومية عليها يتحقق ترسيخ الفكرة وتنمية معززاتها، حتى ليصبح المخلوق مرهون بها ومأسور بإرادتها التي تمكنت منه وقبضت على وعيه ومداركه.

ولهذا تجد التكرار سلوك قائم في جميع الأديان، لأنه الوسيلة الأمثل للحفاظ على رسوخها وتمكنها من الموجود الفردي والجمعي، وهذا التكرار يكون معززا ببراهين سلوكية قد تكون قاسية ومروعة، لكي تضخ الشحنات العاطفية والإنفعالية اللازمة لتقوية الترسيخ وتصليده، أو تحويله إلى حالة الجلمدة (من الجلمود).

وبتواصل التكرار تتحجر الأفكار بمعنى أنها تزداد تمترسا في ذاتها وموضوعها، وتتدرع بأسوار عاطفية وإنفعالية سميكة تمنع أية فكرة أو رؤية مغايرة من الإقتراب منها، وبهذا تتحول إلى كينونة وهمية راسخة في وعي المخلوق.

وعليه فلا يمكن التواصل معها والعمل على تفتيتها أو النفاذ إليها، لأن ذلك سيتسبب بالزعزعة الفكرية والنفسية، ويشيع الإضطراب والإنقلاب المخيف الذي يدمر وجود المخلوق، فيكون من الأسلم للمخلوق أن يتمسك بما هو فيه وعليه، ويبتعد عن غير ذلك، لكي يكون كما تتطلب الأفكار الحالّة فيه.

فالتكرار يرسخ ولا يمكن القول أن " كثرة الطرق ستفل اللحيم"، ففي حالة الدماغ أن كثرة الطرق تعزز الإلتحام والإنضمام والإنكماش الصليد.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم