أقلام حرة

النخبة والخيبة!!

صادق السامرائيمفهوم النخبة يتمترس في واقعنا الثقافي ويتجسد بسلبية فاعلة ومؤثرة، وكأنه إمتداد لمفهوم الخواص والعوام الذي أسهم بتحقيق بلاء الأمة الاندثار المرير.

فالمثقفون يتحدثون بلسان النخبة، والمتاجرون بالدين يتكلمون بلسان الخواص والعوام، ويحسبون أنفسهم حالة مصطفاة ومنزهة ومطلقة الرغبات، والعوام أرقام مكتوبة على وجه الماء الجاري في نهر الحياة الوثاب.

والنخب الثقافية تنخوَبَت، بمعنى تقوقعت وأصبحت معزولة عن المجتمع، ولهذا فهي بلا تأثير ولا أثر فيه، ولا يمكنها أن تساهم بالتغيير والبناء والتثوير.

ولأنها نخبة فهي تزداد انغلاقا ونرجسية وإمعانا بالتكبّر والتسطح والانكماش، والتقولب في كينونات تتوهم أنها تقدم فيها ما هو جديد ونافع، وتلقي بأسباب التأخر على غير النخبة الذين يجهلون ويعيشون في أتون الأمية الداجية.

والواقع الحضاري يشير إلى أن النخب بأنواعها تشارك بتضليل المجتمعات وتجهيل الناس ودفعهم إلى الأمية بأنواعها، لأن النخب لا تمتلك مهارات التواصل المعرفي والثقافي مع مجتمعاتها، وتتقيد بالانحسار في كينونات ذات جدران عالية تعزلها وتحاصرها، وتوهمها بأنها تعرف وذات قدرات متميزة لا يشاركها فيها أحد.

وهذه العاهة الحضارية تسري في بدن الأمة على مدى القرون، وما تمكن جيل من أجيالها من الانتصار عليها والخروج من قبضتها وتداعياتها، مما يشير إلى أن النخب بأنواعها تساهم بتعزيز هذه العزلة وتحجيم العقل الجمعي، وتدميره وتعطيله وتفريغه من الأفكار ومهارات التفكير المتواكب مع زمانه ومكانه.

نعم النخب تمنع إعمال العقل الجمعي وتلغيه لكي توهم نفسها بأنها تفكر وعندها عقل، وعامة الناس بلا عقل وعليهم أن يتبعوا ويخنعوا ويكونوا من الفاقدين للإرادة وقدرات تقرير المصير.

وبهذا فأن النخب المتنوعة لها دور بتدمير المجتمع وتهديم الجوهر الحضاري للذات الجمعية بهويتها وكينونتها الذاتية والموضوعية.

فهل من قدرة على تحطيم متاريس التنخوِب والخواص لكي نتعافى من الخيبات؟!!

 

د. صادق السامرائي

  

في المثقف اليوم