أقلام حرة

الجمهوريه الإسلاميه.. الثورة التي لم تنحنِ

اياد الزهيريمن المعروف أن الوصول للسلطه غير الأحتفاظ بها، وهذه مسأله تكاد تكون بديهيه لكثرة تكرارها عبر التاريخ . فآليات الوصول للسلطه، غير آليات الأمساك بها، ناهيك عن تطويرها والعمل بأحتفاظ الجماهير حول قيادتها، ولعل الأحتفاظ بالسلطه يتطلب الكثير من الأمكانيات والجهود مقارنه بمرحلة الوصول لها، وهنا هو موضوع مقالنا، الا وهو سر وصول الثوره الأيرانيه، وسر أستمرارها كدوله. أنه بلا أدنى شك ما يسمى بـ(روح الأمه). أن الأمم عبر مسيراتها كونت لها ميزات وخصائص تختلف عن الأخرى ولأسباب تتعلق بأختلاف تجاربها، وطبيعة تحدياتها، وما تحمله من ثقافه عبرتاريخها، أضافه لعوامل كثيره ليس هنا محل ذكرها. أن مجموع هذه العوامل يشكل ما يسمى بروح الأمه، وأختلافها يؤسس لكل أمه روحها الخاصه بها، وبما أن موضوعنا هو سر أستمرار الجمهوريه الأسلاميه، فمن المهم البحث عن طبيعة الشعب الذي أنبثقت منه، وماهي روحيته التي حافظة على أستمراريتها، وسر صمودها بوجه كل العواصف العاتيه التي تعرضت لها، وتتعرض لها الآن . أن سر هذه الثوره جعلني أستغرق وأمعن النظر فيها كثيرآ، وأتسائل عما تتصف به من ميزات فارقت بها غيرها كثيرآ، فقد قرأت الكثير من التجارب العالميه لثورات حدثت، ولحضارات قامت وسقطت، فتلمست أن هناك روحآ لكل أمه تمثل شخصيتها القوميه، والتي تعبر عن خالص تجربتها عبر الزمن، وبها ينطبع سلوكها، وتغوص في أعماق نفسيتها، لتتحول الى صفات وأخلاقيات في الأرث التاريخي لكل فرد منها، وهذا ما جعلنا نميز الروماني من الألماني والأنكليزي عن الفرنسي، والأمريكي الاتيني عن الآسيوي، والعربي عن الأيراني.

تميزت الثوره الأيرانيه 1979م بالصفه الشعبيه، وهذا ما أفردها عن غيرها في منطقة الشرق الأوسط والتي أنطبعت بالأنقلابات العسكريه يقودها الضباط، وهو يعكس صفة المشاركه الجماهيريه فيها، كما تمظهر فيها الأنسجام بين القياده والأمه، وهو أنسجام يعكس وحدة الثقافه والهدف، كما يبرز روح التضامن الشعبي الذي عبر فيه الجمهور بشعارات موحده، وخطاب ثوري واحد، وهذا أحد أسباب حماية الثوره من الأنشقاق، ومنعها من الأختراق من قبل خصومها، وكانت روح الشعب الأيراني حاضره بقوه، مستحضره كل خزينها الحضاري عبر التاريخ، فسجلت لنفسها رقمآ قياسيآ بحجم حضورها وقوة صمودها حتى كادت تمثل حدثآ استثنائيآ أسوتآ بثورة أكتوبر الأشتراكيه.

من المعايير المهمه في قياس قوة الأمم هو مدى أستجابتها للتحديات التي تواجهها عبر التاريخ، وما هي وسائل المواجهه التي تبتكرها لكي لا تنحي أمام رياح الأزمات، كما ينظر الى مخرجات هذا التحدي في كيفية خروجها منه، وهل أضعفها أم زادها قوه ومنعه، كما تكشف التحديات قواها الخلاقه، وما تختزنه من أمكانيات التحول والتكيف الذي يحفظ لها وجودها . أن الأمه الأيرانيه وضعت على محك مبدأ المؤرخ البريطاني (توينبي) الذي يقول فيه (أن التحدي يصنع الحضاره) فلم تنكسر الأمه الأيرانيه أمام كل التحديات التي واجهتها منذ نجاحها حيث أعلن صدام عليها الحرب ولحد الآن وهي تتحدى الحصار الأمريكي، فما زادها الا قوه، بل كانت هذه التحديات حافزآ قويآ لكي تشق طريقها في عالم التكنلوجيا الحديثه، وفي الطب والزراعه، وفي الأقتصاد .

روحية الشعب كانت عنصرآ مهمآ في عملية المجاهده، ولكن هي الأخرى يجب أن تكون القياده جزء من هذه الروح، بل والممثل الحقيقي لها، لكي تحقق الأنسجام الروحي والنفسي مع شعبها، وهذه نقطه مهمه وحساسه في أتلاف الشعوب حول قياداتها، وحاسمه في عملية الأنسجام والطاعه لها مما يوفر الكثير من الجهد في عبور الأزمات والمحن، لأن العكس سوف يفتح الثغرات في جدار العلاقه لتنفذ منها القوى المتربصه لتخريب البلد على رؤوس أهله، وقد ذكررئيس وزراء المانيا في خطبه له في عام 1911 م (أن الأمم التي تهن لا تلبث الأمم المجاوره لها أن تغزوها وتستولي عليها..) المصدر كتاب (الآراء والمعتقدات لغوستاف لوبون) . أن ما مرت به الأمه الأيرانيه من أحداث وخطوب وتحديات لم يزد عضدها الا قوه ولم ينل من أرادتها، بل زادها قوه وصلابه، وهذا لم يأتي أعتباطآ وأنما لميزه تتمتع بها الأمه الأيرانيه، وخصائص تشربت فيها والتي من أهم عناصر شخصيتها العزم والحزم والأراده الحديديه، والأهم وضوح الهدف لديها . هذه المقومات لم تأتي مصادفه، بل من تجارب صقلتها ومن مبادئء تشربت وآمنت بها ومن تربيه قومتها حتى أغرستها في لا شعورها . هذه المقومات هي من تصنع أمه قابله للعيش، أمه حيه وصاعده بين زحام الأمم المتنافسه على السلم الحضاري . هذا السلم الذي لا يتمكن صعوده الا الأقوى من الشعوب. من المهم الأشاره الى جنبه مهمه الا وهي العصبيه للوطن والمبدأ وهو عامل مهم وصميمي في حياة الدول والأمم كما يذكره أبن خلدون في مقدمته، وهي تعتبر مؤشر لقوة ومناعة هذين الكيانين وسر أستمرارهن والوقوف أمام عوامل تدهورهن، وهذه العصبيه ظاهره واضحه في سلوك المجتمع الأيراني، والذي تلمسه بوضوح، عندما يختلفون مع بعضهم لكن أختلافهم يتوقف عند مصلحة وحرمة الوطن، والصفه نفسها نجدها عند الأمه التركيه وهذا أهم عامل جعل تركيا حصينه عن كل أحتلال أجنبي ليومنا هذا.

أن من خصائص الأمه الأيرانيه أنها عصيه على التقلب في مزاجها، وعناصر أخلاقها، والسبب يرجع الى رسوخ موروثها الأخلاقي والذي تحول الى أثر أرثي ضارب جذوره في أعماق لا شعور أفراده عبر قرون من الزمن، وهذا أحد مقومات الهويه الأيرانيه ومن عناصر ثباتها، فهي عصيه على الأهتزاز أمام رياح الزمن، وهي من توفر لهم محرضات المواجه ومحفزات المقاومه لصراع الوجود . كما من المفيد ذكر بعض عناصر هذه الهويه، الا وهو الأنتماء الحسيني وما يترشح منه من بعد عاطفي ساهم في تكوين الشخصيه الأيرانيه، والعاطفه تمثل جزءآ مهمآ في حزمة مكونات الشخصيه الأنسانيه، وتمثل حافزآ صميميآ في صناعة الأراده، لأن الفكر المجرد هو يمثل الخط البارد في سلك توصيل حركة الأراده والذي يحتل القطب الحار فيه العاطفه، وهذا هو سر نشاطهم وعلو همتهم . أنه الحضور الدائم لعنصر خطير في حياة تربية الأمم الا وهو المثل الأعلى، والحسين (ع) حاضر في المخيله الأيرانيه حضورآ مركزآ . الحسين عندهم يمثل أيقونة الصبر والأراده والثبات والتحدي، وهذه صفات يتلمسها القاصي والداني في الشخصيه الأيرانيه . هناك تجليات يمكن سوقها في هذا المقام مقرونه مع حاله شبيه وهو الشعب والأمه البريطانيه، حيث كلا الشعبين قبلا التحدي من قبل دكتاتورين أرادوا غزو بلديهما، وكانا يتميزان بالعنف والقسوه، ومحملان بروح الحقد القومي والعنصري، هذين الشعبين قبلا التحدي ولم يستسلما لعدوان الدكتاتورين هتلر وصدام، فلن تلين عزيمتهما فخاضا حربين طويلتين أنتهت بصمودهما ومنع الخصم من كسر أرادتهما، ولم يحققا فيهما مبتغاهما العدوانيين فخرجا بروحيه أقوى وأراده أصلب، وأنتهى الصراع بنهاية خصميهما، وبما أنهما أمتين عريقتين واصلا معركة البناء وأصلاح ما دمرته الحروب، فلم يستسلما لدمار الحرب ولن يدخل اليأس نفسيهما قط، فصنعوا المعجزات في البناء والتنميه ولا أحد ذو عقل ينكر ذلك لأن ما تحقق يخطف الأبصار ويذهل العقول، أنه نفس الأحساس الذي أعترى المتنبي عندما حقق أنجازه الأدبي وترآءى له حتى الأعمى رآه والأطرش سمع به .

لا نطنب بالقول، ويكفينا أختصارآ لما نريد أن نوصله للقارئ أن السجاده الفارسيه المتميزه بالدقه والجمال والمصطبغه بالصبر والأناة لهو تعبير رؤية الناسج لها والمتسم بالأراده والتنصميم الحاذق، أنها تمثل الروح الأيرانيه بكل تجلياتها العاشقه للتحدي والمقاومه للفناء، والمتميزه بالعمل والمثابره والعطاء وهي عنوان وسر دوام ثورتهم، هذه الجمهوريه التي بقت وسقطت حولها جمهوريات، وأبقت أراضيها موحده، وتقسمت على حدودها الشماليه دول، وعلى حدودها الشرقيه سقطت أنظمه وقتل شعب وتهجر، وعلى غربها أحتل بلد وينتظر مصيره بالتقسيم على يد محتله وبمعاونة مرتزقه من أهله وفي جنوبها خليج تترنح دوله على أسرة المرض تستمد علاجاتها من مغذيات أمريكية الصنع، ولكن هناك على الضفه المقابله جمهوريه أسلاميه تعانق الحريه بكل أراده وثبات .هكذا تحيا وتعيش الأمم والشعوب الحيه، في حين هناك شعوب سينسدل عليها ستار النسيان وتصبح من الغابرين، أن بقت سادره في صراعاتها وتنتظر مقومات عيشها من يد غيرها، فلتنتظر فاتحآ كالسلطان العثماني محمد الفاتح الذي أقتحم القسطنينيه على أهلها وهم يمارسون الجدل البيزنطي في منتدياتهم شاتمين لاعنين بعضهم بعضآ، ساهرين الليل، نائمين النهار.

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم