أقلام حرة

مع احترامي لابن رشد.. أتساءل عن الرشد؟!!

صادق السامرائيالرشد: التَعَقُل

كتبت عددا من المقالات عن العالم الفيلسوف الكبير إبن رشد، وتدربت لسنوات في مستشفى بإسمه، وقرأت بعض كتبه وتابعت كتابات محبيه، والداعين إلى رشدية جديدة لإنقاذ الأمة من محنتها التفاعلية مع عصرها.

وإطلعت على كتابات بلغات أجنبية تتناول دوره في إنبثاق الثورة التنويرية المعرفية في بلاد الغرب، وما أسهمت به رؤاه ومنطلقاته في بناء العقل وتفعيله، ولا يمكن لأحد أن ينكر قيمة وأهمية إبن رشد في مسيرة الإنسانية، وطروحاته الثاقبة بخصوص التفعيل العقلي وتنمية إرادة الإدراك المعرفي وتواصلها بآليات متجددة باعثة للأنوار.

وإبن رشد عاش في القرن الثاني عشر وعانى من زمانه الكثير، خصوصا بعد أن أخذ يواجه أعداء الفلسفة، والذين لا يرون ضرورة لإعمال العقل بالنص الديني، وخالفهم في رؤيته لمعنى التأويل ومعطياته، وقد ثبت على رأيه، ومات الذين آذوه وبقي حيا في مسيرة البشرية، ولهذا تجدنا نكتب عنه اليوم ونطرح أفكاره ورؤاه للنقاش والإعتبار.

وليس الموضوع إتفاق أو عدم إتفاق، وإنما النظر إلى مفردات ومنطلقات العصر الحالي، وهل هي ذاتها التي كانت في القرن الثاني عشر، البعض يرى أنها كذلك، وفي هذا إلغاء للواقع المكاني والزماني، رغم أن بعض ترسبات القرون قد تتواصل في قرون بعدها، لكن القرون لا يمكنها أن تتطابق وتتماثل مهما توهمنا، لأن ذلك يتنافى وحركة الدوران المفضية إلى تغيير حتمي ولازم.

وأفكار ومناهج إبن رشد لم تنجح في مكانها وزمانها، وإن نجحت في غير مكانها ولكن بتقارب زمني، وظرف ملح إستدعى وجوبها وأهميتها، لكننا في القرن الحادي والعشرين، الذي يعيش ثورات معلوماتية تكنلوجية تقنية غير مسبوقة.

فالفكر السائد تكنولوجي تقني إليكتروني وأكثر، وما عاد فكرا كما تعارفت عليه القرون السابقة، مما يعني أن لا بد من عدم النظر إلى الوراء، والتطلع إلى آفاق الكينونة التكنولوجية المتعاظمة التي ترفدنا بما لا يخطر على بال.

فما قيمة إعمال العقل في النص الديني، في عصر ما بعد الدين، وما قيمة التأويلات والدنيا تتعامل مع المعلومات، وتستحضر عطاءات العقول الأرضية حول أي موضوع كان.

فالدنيا تبدلت تماما، والعقول تنورت وتفتّحت، والنفوس تعرّت، فما عاد البشر مستعبَدا بفكرة أو منطلق ما، إلا في المجتمعات التي تريد الإنقراض والموت إختيارا.

ولهذا فأن حشر إبن رشد في عالمنا المعاصر يبدو إعتداءً عليه، وتعجيزا لأفكاره ومنطلقاته ومناهجه المعرفية، لأنها خارج العصر، ولا تمت بصلة إلى ما صارت إليه البشرية، شأنه شأن أي مفكر وفيلسوف آخر، حتى المعاصرين منهم الذين وجدوا من اللازم أن يتغيروا ويتنازلوا عن الكثير من أفكارهم ورؤاهم، لأن العصر قد تفوق عليها وكشف كينونتها الخاوية.

ويبدو أن من الأصلح أن يفكرَ الفلاسفة والمفكرون بالمنهج العلمي، وضرورة نشر التفكير العلمي الإبداعي الإبتكاري في المؤسسات التعليمية والتربوية من رياض الأطفال وما بعدها، لكي تتحقق صناعة جيل معاصر مبتكر مبدع تقنيا وتكنولوجيا، ومتوافقا مع إيقاعات العصر الوثاب إبداعيا.

وهذه المقالة إنصاف لإبن رشد وليست غير ذلك، فهو العالم المفكر الفقيه الطبيب الفيلسوف، الذي أهتمُ به وأدرسُه وأتخذُه قدوةً ومنارا فكريا وثقافيا.

فهل سيولد الرشد من رحم يعقلون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم