أقلام حرة

ما يحدث ضد الحشد الشعبي لهدف سياسي قبل عسكري في اساسه

عماد عليفي المدة الاخيرة حدث قصف عسكري على مواقع من مقار ومعسكرات تابعة للحشد الشعبي المعلوم عنه بولاءه وتركيبته ومشاكله التي جلبها تنظيم داعش على العراق اضافة الى ما كان يعانيه هذا البلد من قبل وما ورثه من النظام السابق من الخلافات الكبيرة بين مكوناته وتبعيتهم والقضايا المستعصية المحتاجة الى الحلول الجذرية لقطع دابر اي استغلال لها في اهتزاز وضع العراق المهتز من اساسه ومنذ بداية انبثاقه والاهداف التي التي اراد الاستعمار تحقيقها في رسم العراق وفرضت بدهاء على شعبه، مما جعلته لم يستقر عقدا واحدا فقط في تاريخه.

اليوم وبعد سقوط الدكتاتورية التي لم تدع طرقا ولم تسلكها من اجل فرض نفسها بالقوة الغاشمة في العقود التي حكمت ووصلت الحال الى استخدام افتك الاسلحة (\ الكيميائية) على من ادعى بانهم جزء من شعبه، رغم كل ذلك وما اعتمدته من القوة والتشدد لم يفدها بشيء بل وصلت كل مشكلة الى تعقيد  اكثر وتحارب وصراع دموي جلب معه مشكلة اخرى، او صمتت الحال لمدة واخفت من تحتها ما يمكن ان يبرز اخر متسلسلا في وقت لاحق.

اليوم وبعد التغييرات التي نراها، ومنذ تغيير النظام، لم نشهد بروز اي عامل حيوي كنا نتوقعته والذي يمكن ان يؤدي الى الاستقرار قطعا ويجب ان ننتظر ما يحصل من انعطافة كبيرة اخرى، لا بل ازدادت تعقيدات ووفرت ارضية لمنع استقرار الحال بسهولة غير مسبوقة، وحدثت انشقاقات اجتماعية سياسية كبيرة ابعدت المكونات اكثر عن بعضها. ان ما يعانيه العراق بكل مكوناته وتركيبة شعبه امظلوم سياسي واقتصادي ناتج من الفوضى التي فرضت نفسها، ولم تعد هناك ثقافة يمكن الكلام عنها لدى الجيل مابعد السقوط لاسباب وظروف موضوعية وذاتية عراقية خالصة، والذي من الممكن  الاعتماد عليها لايجاد الحلول لهذه المشاكل والقضايا التاريخية، وعلى العكس ابتعد الشعب العراقي عن البعض، وما حصل له ابتعده عن الاصالة الثقافية الخاصة بهم الى حد كبير والتي كانت تقدر الظروف ولم تنفي الموجود كما يحصل اليوم.

اعصى المشاكل التي ابتلى بها العراق مابعد الدكتاتورية هي ما فرضت نفسها من هشاشة العلاقات الاجتماعية الناتجة عن الصراعات التي برزت بشكل مباشر وفجائي والتي كانت مخفية كالجمرة من تحت التبن واحتاجت الى نسمة بسيطة لتوقدها نارا، واصبحت جحيما على حياة الشعب.

 ان مازادت الطين بلة هو بروز مشكلة مستعصية كبيرة اخرى على العراقيين والتي لم يكن ينقصهم هو بروز الحشد الشعبي واهدافه غير المعلنة المخفية وما وراءه والاسباب الموجبة في تاسيسه وان كان الظروف الطارئة  لمجيئه  هي التي فرضته دون اي احتجاج او رد واستغلت فتوى السيستاني ضد دعاش كالتفاحة التي تسقط من السماء لمجموعة جائعة، الا ان توسعه وتقويته لم يكن على اساس محاربة داعش على  قدر ما كان لاهداف سياسية بحتة لمن يريد ان يفرض اجندته على العراق والمنطقة من اجل مصلحته الخاصة البعيدة عن ما يمس اي عراقي من بعيد او قريب.

لو لم يكن العراق الان تحت وصاية الاخرين الاقوياء منهم او الضعفاء التابعين للاقوياء الذين اصبحوا لاعبين على الساحة العراقية نتيجة مروره باضعف مراحله التي مكنتهم على استغلاله بسهولة لما يناسبهم من تحقيق اهدفهم ومصالحهم والذي لم يحدث في تاريخه بهذا  الشكل.

ان العمليات العسكرية او بالاحرى  الغارات والقصف الجوي الذي حصل ضد قوات الحشد الشعبي في الاونة الاخيرة تحوي رسائل ايجابية وسلبية على حد سواء، اولها هي سياسية بحتة تؤكد لمن يريد ان يستخدم الحشد كما هو حال الحرس الثوري لكبت الاخرين والوقوف ضدهم من اجل عدم تحقيق اهدافهم فانه يمكن ان يلتقى ضربة في اي وقت ويدعه ان يفكر قبل ان يعتقد بانه يمكن ان ينجح في تحقيق مرامه كما حصل في بلاده ووقف ضد اماني واهداف مكونات شعبه بالحديد والنار واستخدم التركيبة العسكرية المشابهة للحشد( الحرس الثوري) ضد القوى والمناضلين الثوريين المضحين من اجل تحقيق اهدافهم السامية الحقة، واخطر ما استخدمت هذه التركيبة العسكرية العقائدية الحزبية المصلحية هولتحقيق  ما هو المخفي باسم اهداف زائفة معلنة لتغطية المراد منه.

ان التسريبات الجارية اليوم عن الغارات ضد بعض مقرات او معسكرات الحشد الشعبي في العراق لا يخلو من رسائل سياسية الى الحشد ومن يقف وراءهم من جهة والى الحكومة العراقية المبتلية بهم على حد سواء من جهة اخرى. فان الرسالة الى الحشد بنفسه ومن وراءه واضحة جدا وانهم تلقوه باستغراب وتعجب لكونهم فكروا وكان العراق ايران الثانية ويمكنهم تحقيق اهداف الحرس الثوري بالحشد الشعبي في العراق كما حققوها في ايران. وكيف يتعاملون مع ما حصل سياسيا وهو الاهم والجانب العسكري ليس بمهم لناه يحقي اهداف سياسية اكثر من العسكرية ولكون ما حصل هو فريد وغير مسبوق منذ تاسيس الحشد الشعبي. اما الرسالة الثانية فهي الى الحكومة العراقية التي لم تجد طريقا للتعامل معهم بعيدا عن توقع سيل التجاعيات والافرازات السياسية الكبيرة المنتظرة من سلك اي طريق لمنع ما يمكن ان يحصل من بقائهم او تقويتهم على حساب ما يهم الشعب العراقي بكافة مكوناته دون اي استثناء منهم سواء كان كورديا او شيعيا او سنيا. 

توضح الغارات بان امريكا ان لم تكن مشاركة في هذه العمليات فانها اشعلت الضوء الاخضر بل ربما حرضت على ذلك لانها يمكن ان لا تكون راضية من تعامل عبد المهدي المضطر مع الحشد وانها قد تشك بما يحصل ومستفزة من التردد في ايجاد الحلول الجذرية لهم رغم القرارات الحكومية الرسمية لتنظيمهم نظريا دون التطبيق والتنفيذ على ارض الواقع. والرسالة الاخرى الى ايران بان واشنطن لديها الامكانية ان تحد من مد اذرعها في اية بقعة تتواجد فيها سواء كان في العراق او لبنان او سوريا، وخصوصا حصل هذا في وقت حساس، وما جرى من الفوران على الساحة وحدث تغيير في اللعبة بين امريكا وايران في الساعات الماضية تؤكد ما كان متحضرا من كافة النواحي التي لها الصلة باللعبة الجارية والتكتيكات التي تحصل في ثنايا ما يجري من الصراع الطويل الامد على حساب شعوب هذه البلدان. واهم هدف امريكي هو تقليم اظافر ايران بحيث يجعلها متوازنة مع الدول الاخرى المنافسة لها كالسعودية، لانها ازدادت قوة وحجما وتمددا وامكانية لفرض ارادتها خارج المساحة  المحددة لها من قبل واشنطن من اجل التوازن بينها والسعودية، وهذا الذي يقع لصالح المصالح البعيدة المدى لامريكا والغرب بشكل كبير. اي ان ما حصل وان كان من المحتمل بايدي اسرائيلية بحتة فانه من فعل وامر امريكي واضحة الملامح.

و لكن الامر الذي يهم الجميع ويغفله من له النفوذ هو ما يقع سلبا على الحكومة العراقية ومصلحة الشعب العراقي بشكل مباشر، فان كانت هذه الضربة قد تسهل في تحقيق امر ما تريده الحكومة من التعامل مع الحشد ففي المقابل تصعّبها، لان الضربات اصبحت حجة بيد الحشد ومن ورائه لرفض تنفيذ الاوامر بحجج السلامة والامان بعيدا ايدي الحكومة لانها لم تحفظهم من مخالب الاعداء كما يدعون وانهم يهتموا بعملهم سرا بعيدا عن اعين امريكا واسرائيل، ومن اجل عدم تسريب معلومات عنهم على الرغم من كثرة وقوة المخابرات العالمية المنتشرة في كافة الاراضي العراقية. ومن جانبها فان الحكومة اصبحت هي ايضا لديها من الحجة التي تمكنها ان تدعي ضمان سلامة الحشد ان كان رسميا وعمليا على الارض والتي يجب ان تكون تحت خيمتها كي تتمكن ان تتعامل معها كمؤسسة رسمية عراقية وتتخذ ما يمكن من اجل ضمان سلامتها بعد ان تخضع لقراراتها وتعليماتها الحكومية الرسمية. وهذا ما يمكنه ان يُخرج الحكومة من الاشكاليات الكبيرة من تعاملها مع الحشد ان اتخذت قرارات صائبة بعد ما حصل.

كل ما سبق يؤكد لنا ان العمليات العسكرية او الغارات  التي حصلت ضد الحشد الشعبي كانت رسائل سياسية قوية اكثر من ان تكون عسكرية، لان الحشد وتركيبته المتعددة وامكانياته وقوة من يقف وراءه وخبرته لا يمكن ان تضعف بغارات محدودة بهذا الشكل. وهذا ما فتح الطريق ويمكن ان يمهدها اكثر امام ما يمكن ان يحصل مستقبلا في الوقت المناسب لاي هدف كان عسكريا او سياسيا. ويمكن القول ان مرحلة مباعد الغارات يمكن ان تعتبر انعطافة سياسية كبيرة لا يمكن تجاهلها مستقبلا فيما يجري وبالاخص في الصراع الدائم بين امريكا وايران والتوازنات في المنطقة والمطلوب في داخل العراق ذاته ايضا .  

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم