أقلام حرة

عاشوراء موسم الخطابة

اياد الزهيريمن المعلوم أن عاشوراء الموسم الأكثر نشاطآ في ممارسة الشعائر الحسينيه في الوسط الشيعي، وهو موسم تختلط فيه الممارسات الدينيه مع التقاليد الأجتماعيه. أنه موسم حزن أستشهاد أبو الأحرار الأمام الحسين (ع)، كما أنه موسم نقاهه، حيث تعبر النفس عن خوالجها، والمشاعر عن أرهافاتها، وما تكتنزه في جنباتها من هموم وشكوى وأهات الواقع الضاغط عليها.أنه موسم الشكوى الى الله من ظلم الواقع المحلي والدولي، السياسي والأقتصادي، الأخلاقي والأجتماعي . أنه موسم ثقافي يتبارى فيه الشعراء، وينبري فيه الخطباء لما يجول في أذهانهم . أنه وقفه تاريخيه ينبغي أستثمارها في مراجعة مايجري لأحوالنا، وما نتعرض له من أحداث، أملآ بأستنطاقها، والوقوف عليها، والأعتبار منها، والعمل على تقيمها . أن مأساة كربلاء ما ينبغي أن تكون لأثارة مواجع التاريخ لتوفر لنا فرصة البكاء لكي نسكب الدموع بسبب الواقع الرديء، وأنما موسم ينبغي توظيفه لأستحصال نتائج تمنع تكرار المأساة على شعبنا، ولكي لا تذبح الأمه مرتين أو أكثر، فداعش كان ينوي كربلاء ثانيه وأن يذبح الملايين بدل السبعين ونيف أصحاب الحسين (ع)، ولكن شيعة الحسين (ع) أستحضروا مأساة كربلاء فأوقفوا الجريمه، وصدوا رياح الشر، وأرجعوهم خائبين، رغم ما تلقوه هؤلاء من عون من كل قوى الشر بالعالم.

موسم عاشوراء يحظى بأمكانيات كبيره جدآ لو وظف بشكل جيد، ولكن للأسف هناك خلل في التوظيف الحقيقي له، فهو يحتوي على أمكانيات عظيمه يمكن توظيفها في البناء والتنميه الأجتماعيه، والمساهمه في خلق الروح الجماعيه، وصناعة الأنسجام المجتمعي،عبر خطاب توحيدي، وغرس مبادئ أساسيه تشكل قاعده تحتيه يقف عليها الجميع فتخلق حاله من التجانس الشعبي الذي نحن بأمس الحاجه اليه . الحقيقه المره أن شعبنا يعيش أكثر حالاته صراعآ وأشدها تمزقآ، يختلفون على أبسط الأحداث، ويتصارعون على أتفه الأسباب، وليس لنا من خطاب يجمعنا الا ما يطرح في عاشوراء، فهو الأمل الوحيد والأخير، بعد أن سقطت من حسابات الكثير مبادئ الوطنيه والقوميه، وأهتزت الكثير من القناعات والتقاليد والأعراف، حتى كادت أخلاقنا اليوم في خطر . أن الحسين (ع )اليوم يمثل حبل النجاة لنا، ولكن هذا الحبل علينا أن نمنع من يفت من متانته، وأن يضعف من تأثيره عبر ممارسات تحاول الأساءه له عن طريق حرف مساره عبر ممارسات لا تمت له، بل وتحاول الأبتعاد عن جوهره . أن مبادئ الحسين تمثل روح المبادئ المحمديه، ومشروعه هو مشروع الرساله الألهيه، فالحسين أيقونة الأيثار، ومشروع أصلاح يمكننا توظيفه في أصلاح واقعنا المدمر بما يحمله من قيم عاليه ومباديء راقيه أحوج ما نكون اليها،خاصه ونحن نعاني من هجره لقيم أصيله، قيم هي دعامة كل مجتمع يتطلع للبقاء والتنميه . أننا نعيش اليوم في جو يدعو للعبثيه والفوضى، وأجواء مشحونه بالشر والضغينه والعداء،تنبأ عن مستقبل لا يسر، ويؤشر لحاله من الأنحدار الشديد.

عادتآ عندما تمر الشعوب بأزمه،تستدعي كل مايضمره تاريخها من جوانب مضيئه، من أفكار، وقيم، ورجال، ورموز أحياء وأموات، كأدوات لأسعاف حاضر يحتضر، وأملآ لضمان مستقبل يؤمن حياة حره كريمه . هذا الأمل بأصلاح ما خرب لا يمكن بدون توظيف واعي لموروثنا الحسيني،بما يحويه من أمكانيات ثقافيه، وطاقات تعبويه، وهذين العنصرين في غاية الأهميه في عملية البناء والدفاع في دفع المخاطر التي تحيط بنا ممن يتربص بالأمم والشعوب والأوطان التي يبين عليها الضعف والهوان ليفترسها من يحيط بها، وهذا مبدأ سارت عليه كل الأمم عبر التاريخ، فالضعيف يغوي الأخرين بالأنقضاض عليه. أن تعطيل الخزين الثقافي والتعبوي في الموسم العاشوري، وتحويله الى مجرد كرنفال تقليدي سنوي هي عمليه قاتله لنزع أمكانيات تعبويه هائله نحن بأمس الحاجه اليها، بل ونعين عدونا الذي يخطط ومنذ زمن بعيد الى تعطيلها لكي ينزع من أيدينا سلاح دفاعنا، وأدوات بناءنا، التي لا يمكننا الشروع بمشروعنا الحضاري الا بها.

ما وددت الأشاره اليه في هذا المقال هو الخطابه بأعتبارها العنصر الأساس في هذه الشعيره. الخطيب عنصر يمكن أن يكون بناءآ، ويمكن أن يكون هدامآ، وهذا ما يعتمد على ما يطرحه من خطاب على الجمهور، كما من المهم الأشاره الى طبيعة الجمهور، وهي طبيعه متلهفه بحكم طبيعة المناسبه، ويمكننا أن نقول أن المتلقي في هذه المناسبات، وطبيعة الأجواء يعطي بيئه مثاليه في عملية الأصغاء، حيث المستمع يتوجه بكل جوارحه لما يقوله الخطيب، وبالتالي تنعكس على مدى تأثره بها، فاذا كان الخطيب يحمل خزينآ ثقافيآ ومعرفيا عاليا، وله مهاره عاليه في تشخيص الواقع، وما ينبغي الأشاره له والتحذير منه لجيل الشباب، يكون قد وفق في عملية التواصل معه وأسس لعملية بناء تربوي تساهم بتشكيل نسيج منسجم ومتناسق بين أفراد المجتمع، وبالتالي تصنع وحدة رأي جماهيري تعضد الوحده المجتمعيه، كما أن الخطيب قد يساهم في عملية التجهيل الثقافي عن طريق الترويج للأساطير والخرافات، وهذا ما نخاف منه ونخشاه، وبالتالي يساهم في عملية نكوص أجتماعي خطير، مجتمعنا يعاني منه بشكل خطير، وبالتالي تذهب كل الجهود والطاقات والأموال التي صرفت على هذه المناسبه هباء، بالأضافه الى ما نخسره من لحظات تاريخيه قد تكون سببآ في تحول تاريخي خطير أذا أحسن أستغلاله.

عاشوراء سببه معركه بين رمزين أحدهما جاهلي يمثله البيت الأموي والأخر أسلامي يمثله الحسين (ع) . أنتهت المعركه حينها، ولكن لم ينتهي النزاع . توقف ضرب السيوف، ولم تتوقف حروب الكلمات، وأذا كان للسيوف والرماح رجالها، يكون للكلمات كذلك فرسانها . من المعروف للكلمات تجلياتها،متمثله بالشعر والنثر منطلقه على لسان الخطيب فهو من يثورها، وهو من يميتها ويجعلها لقلقه لسان لا تسمن ولا تغني من جوع، أنه الخطيب، هو من يوقض الجمهور، وهو من ينومه، هو من يحيه بما يبعثه من أمل فيه، وهو من يميته بأفكار فاسده يسمم بها عقله، ويكبحكه من كل عمل أيجابي، ومن باب التقريب يمكننا الأشاره الى أهمية الخطيب بمثال نستمده من خطيب الثوره الفرنسيه المدعو (ميرابو) الذي ساهم بخطاباته بتثوير الشعب الفرنسي، ولكنه بنفس الوقت أذكى فيهم نيران الحقد الطبقي، فحطم الشعب سجن الباستيل بفعل ما عبئته كلمات ميرابو في نفوس الجمهور الباريسي، وكان بحق يمتلك مفاتيح نفوسهم والقدره على تثويرهم، كما هناك من الخطباء ما له القدره على تنويمهم  كما فعل وعاظ السلاطين، أنه سلطان الخطباء وما يملكونه من نفوذ على الجمهور، وما تأسس من جيوش الأرهابين من داعش والنصره والقاعده الا من تحت منابرهم، وما تأسس من حشد شعبي لصد مغول العصر الا من وقع كلماتهم، فالخطيب يمتلك أدوات مهمه وفاعله بما يحركه من مشاعر، وما يحي من أمال ومأثر، وهي أدوات تلامس شغاف القلب وتحرك الجوارح، وتهز النفوس، وهم من يمتلك بوصلة المسير لحركة هذه الشعوب، للسلم أم للحرب، للبناء، أم للخراب، فهذا هتلر قد أغرى بخطاباته الشعب الالماني برمته وعبئه لحرب عالميه ثانيه راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون أنسان، وهناك خطابات ثورة شعوب، وأسقطت عروش كما هي خطابات الأمام الخميني قبل الثوره الأيرانيه وخلالها. أن الخطيب قد تكون له من القدره ما يتفوق بها حتى على المفكر بسبب قربه من الجمهور، وما يمارسه من نفوذ عليه، حتى هناك من يستطيع أسر الجمهور بشخصيته القويه بما يمارسه من تكنيك خطابي ساحر، وخاصه في المناسبات الدينيه والوطنيه والقوميه، حيث يتسم الجمهور بالأذعان للخطيب مصحوبه بيقظة المشاعر وتحفزها،لذى تنساب كلماته الى قلوبهم مباشره، والى أسماعهم بأنسيابيه كبيره، فالمستمع يتلقها على صفة الأطلاق، من غير تمحيص ونقد بأعتبارها حقيقه مطلقه لا يأتيها الباطل من تحتها ولا من فوقها و وهذا هو ما يدعى بأسلوب التلقين، والذي تتسرب فيه الأفكار المطروحه بطريقة بالعدوى النفسيه، والتي يكون مقرها اللآشعور مما يؤسس لمنظومه أراء ومعتقدات مصدرها العقل الباطن،مما يعطيها درجه عاليه من الرسوخ، والقابليه على رسم حركة كل السامعين بطريقه لا أراديه. اليوم هناك الكثير من خطباء المنبر الحسيني أقرب الى ميرابو،فهم أساءوا لثورة الحسين (ع) وللمجتمع كما أساء ميرابو للثوره الفرنسيه، وذلك عندما حمل الجمهور بكلماته على القتل والتدمير والخراب، فأحدث الفوضى، والذي قاد الى عودة الديكتاتوريه متمثله بنابليون بونابرت. أنني لا أبرئ الكثير من الخطباء من نشر حالة التجهيل والفوضى في مجتمعنا، كما بنفس الوقت هناك من ساهموا بالكثير من حالات الصحوه واليقظه الفكريه ، فلا يمكننا نسيان ما قاموا به من جهد خطباء ما قبل السقوط من حالة توعيه وتثوير للشارع العراقي، وما حقنوه من روح بعثت به الحياة بعد أن دبت فيه روح الأحباط والأنكساربسبب ممارسات النظام السابق . الخطباء المنبريون هم بلا شك رسل العقيده، وهم مشاعل التنوير أذا أجادوا المهمه الملقاة على عاتقهم، وهم عقبه كأداء أذا روجوا للبضاعه الفاسده، وكانوا السبب في ظلال المجتمع وأنحرافه . فنحن بأمس الحاجه الى خطباء معلمون، وثوار، ومجاهدون، وليس بتجار ومدلسون، ومخدرون.

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم