أقلام حرة

المُبرمَج هل يُبرمَج؟!!

صادق السامرائيالمخلوقات موجودات مُبرمجة ومنها البشر، وهذه البرمجة تتدخل فيها عوامل متنوعة، تتفاعل لتؤسس حالة المخلوق الفاعلة في الحياة.

والبرمجة دماغية طاغية، فالأدمغة أعضاء أساسية في الكائن الحي، وبدونها لا يمكن للحيّ أن يعبر عن الحياة، فلكل مخلوق دماغ، والأدمغة تتفاوت بأحجامها وتعقيداتها ما بين المخلوقات.

والبرمجة الجينية هي الغالبة، ولها تداعيات ومعطيات متواصلة عبر الأجيال، والدماغ المُبرمج  يمتلك دائرة عُصيبية نشطة ذات قدرات دورانية متسارعة، غالبة على الدوائر العُصيبية الفاعلة من حولها أو بقربها، فتتسيّد عليها وتستعبدها وتسخرها لما يحقق غاياتها الدورانية المعَززة بمستجدات تفاعلية معقدة.

وهذه الدائرة العُصيبية الغالبة يسري فيها تيار يحث مجالا كهرومغناطيسيا يساهم بتدريعها وبناء الدريئة الطاردة لمعوقات دورانها، بل أنها تسخر الدوائر الضعيفة من حولها لتقيم مصدات عاطفية إنفعالية شديدة تمنع نفاذ ما يتقاطع ودورانها، فتتماسك وتتعاظم بشدتها ورسوخها مما يدفع إلى صياغة كينونة متصلدة من الصعب إختراقها، بل قد يستحيل ذلك، إلا إذا توفرت الظروف والآليات الكفيلة بمنع مفردات وعناصر تعزيزها، وهذا يحتاج لزمن قد يتجاوز عمر أجيال.

أي أن الدماغ المُبرمج يتمادى بصيرورته وبرامجه المزروعة فيه، وبموجبها يتملك مصير المخلوق ويتحكم بسلوكه، فتكون إستجاباته إنعكاسية محكومة بآليات البرنامج القابض على وعيه ومداركه.

وهذه الحالة تنطبق على أية فكرة أو عقيدة أو تصور مترسخ في الدماغ، فالفكرة مستبدة وما أن تحل بدماغ حتى تستعبده وتمتطيه، ليكون الوسيلة الأمثل للتعبير عنها ولا يعنيها مصير صاحبها، لأنها تستطيع الإحلال بدماغ آخر وبسهولة أكبر، فقد خبرت مهارات الإحلال وتعلمت من خطئها أو إحباطها.

ووفقا لما تقدم فإعادة برمجة الأدمغة، أي إزاحة فكرة منها وإبدالها بأخرى يتطلب جهودا كبيرة، ومحاولات متواصلة وأدلة وبراهين مزعزعة ذات طاقات عاطفية عالية، ومع ما يمكن إستحضاره لنفي الفكرة فأن نسبة النجاح تكون ضئيلة، لأن المخلوق قد تعود على آلية تفاعلية توفر له الإطمئنان والشعور بالثقة فيما يقوم به، وأي زعزعة لهذه الحالة ستتسبب بإضطرابات مرعبة يأبى أن يقترب منها .

ومن هنا فالقول بتغيير أي معتقد مهما كان، يبدو نوع من الهذيان وثريد حول الصحون، فالكائن مرهون، والفاعل مأمون، والجديد يتطلب أجيالا ليتأكد ويكون، بل أن الدم رفيق كل جديد، ولهذا لا توجد ثورات بلا دماء وجرائم مروعة، لأن المُبرمج لا يُبرمج بسهولة مهما حاولنا وتوهمنا، ولهذا يكون المثل القائل " مَن شب على شيئ شاب عليه" صحيح وناضح من التجربة والملاحظة المتكررة الحصيفة الواعية.

فدع المُبرمَج للأيام، وعليك أن تأتي ببرنامج جديد قد يعيش إلى حين!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم