أقلام حرة

ثورة الحسين نحرّفها ولا نعرفها!!

صادق السامرائيالإمام الحسين أطلق ثورة أخلاقية فكرية ذات قيمة روحية دينية إنسانية وإجتماعية خالدة، تتلخص بالإنتماء للحق ومجابهة الظلم والباطل والفساد والعدوان والذل والإستعباد.

وتعبّر عن الوفاء لقيم الرسالة المحمدية النقية الطاهرة، التي تسعى لتحقيق السعادة البشرية، وإقامة أسس الحق والمساواة، وإحترام الإنسان لأخيه الإنسان، وعدم إمتهانه وإذلاله وإغتصاب حقوقه ومصادرة إنسانيته.

وتجسدت  تلك الثورة بهمة أسطورية وقدرات ملحمية، إهتزت لها أركان التأريخ وخلدتها في أروقتها، وسخّرت لها مَن يساهم بإعادتها وتأكيدها كل عام، لتتواصل منيرةً في دروب الأجيال.

وعلى تربة كربلاء التي تباركت بدمه وجسده الطاهر، تقام سنويا مراسيم  تلك الثورة في العشرة الأولى من محرم الحرام، فيحتشد مئات الآلاف لكي يترجموا ما شهدته تلك الثورة في ذروتها وأقصى لحظات مجدها، وتصريحها بلغة الروح والإرادة والإيمان عن أهدافها ومساعيها الصادقة نحو الله الواحد الأحد.

ثورة ترفض الظلم والزيف والفساد والضلال والتضليل والتعسف والجور ضد الإسلام والمسلمين، وتريد رسالة محمد بن عبدالله نقية مشرقة في آفاق الأرض، ما دامت الشمس وبقيت الحياة.

ثورة كَتبتْ بمداد الشهادة وصبرها وإمتحاناتها وقوتها وتطلعاتها ومنطلقاتها الكبرى، آيات الفعل السماوي الخلاق المتجسد بروحٍ تربّت في أحضان الذي تربى في مدرسة السماء، فكان قرآنا يسعى فوق التراب.

ثورة حق ضد باطل، وحرية تأبى إستعباد، ومجابهة شريفة بوجه قهر، وإنتماء إلى حقٍ لا حيف، وطاقة إيمان تصول على كفر يخبو ويموت في رماد البهتان، ووثبة علياء إلى عرش المنتهى لمحق المتشبثين بمملكة الخراب، وإستنهاض لقدرات الروح الكامنة في أعماق البشرية، أمام صولات النفس الأمّارة بالسوء المتحكمة بفعل الناعقين حول كراسي الإمتهان والإذعان لقوة الطين.

ثورة تتكرر لتستنهض المسلمين وتحيّ الدين وتعيد له طاقة التعبير الأصدق عن فعله السامي في زمنه المعاصر، فهي نداء تجدد وتطور وتقدم ومواكبة وتفاعل مع مفردات الزمن المتواكب.

وهي صرخة ذات طاقات تعبيرية عن المبادئ النقية الرحيمة الطيبة، المُستنهضة لإنسانية الإنسان وما فيه من الخصال الحسنة،  التي تساهم ببناء المجتمع المتآلف المتآخي الرحيم الكريم المعتصم بحبل الله القوي المتين.

ثورة لها دروس ومواعظ ومنطلقات وآليات وبرامج ذات قيمٍ قويمةٍ نافعةٍ للناس أجمعين،  وليست حركة إنفعالية وهيام عاطفي وإندفاع هستيري وتفاعلات شديدة، وفي ذروتها قد تكون دامية وحامية الوطيس، ومشوِّهة لجوهر فحواها ومعاني الدين.

ثورة لو توفرت عناصرها في مجتمعات أخرى لتحققت فيها أعلى درجات التعبير العملي الإنساني الصحيح عن المبادئ والقيم السامية، التي تنير وجودها بالأمثلة الصالحة النافعة الضرورية لبناء الفضيلة وترجمتها إلى فعل يومي مشرق بين الناس.

فماذا نؤكد في مسيرات التفاعل مع الثورة كل عام؟

دموع وبكاء وأحزان وملابس سوداء ولطم وضرب وتطبير.

فهل هذه هي معاني الثورة الحسينية المشرقة المباركة،  التي يجب أن تكون طاقة إستنهاض للمسلمين،  لكي يراجعوا أحوالهم ويتأملوا نظامهم السياسي والإجتماعي ويرصدوا الظلم والفساد، فيتمكنوا من التقدم بتحقيق الإصلاحات العادلة النزيهة الواعدة بالخير والفضيلة، وبالتفاعل المتجدد الواعي مع زمانهم وليكونوا من السبّاقين إلى العلياء؟

فما هي فوائد الدموع والدم والبكاء والعويل؟

وأين القيم والمبادئ التي إستشهد من أجلها الإمام الحسين؟

أين الصرخة بوجه الظالمين والفاسدين؟

أين الوقوف الحازم أمام الباطل؟

أين التعبير الصادق عن الدين بالفعل الصالح المبين؟

أين المحبة والرحمة والأخوة الإنسانية؟

أين الله الذي إستشهد في سبيل مبادئ رسالته الإمام الحسين؟

تساؤولات تتوافد والحزن يعصر الفؤاد، والتوجس يقبض الروح والوجع يمزق النفس، ومَن يتأمل تكرار المشاهد  التي تاجرت بالثورة وحققت آليات التحامل على الدين والنيل منه بإسم الكرسي وإرادة السلطان، يشعر بالحيرة ولا يدري ماذا يقول، لكن الواضح أننا لا نستلهمها بل نعيش غيبوبة الذكرى ونغوص في تفاعلاتها المؤججة للإنفعالات، والحاثة على البغضاء والكراهية والعدوان على المسلمين.

فلو إستلهمنا تلك الثورة لتحققت فينا خواص خير أمة أخرجت للناس، ولصارت الفضيلة عنوان سلوكنا السائد والمؤثر في الحياة.

لكننا عندما ننظر من حولنا نجد أن واقعنا يزدحم بالخطايا والآثام والمفاسد المتنوعة، ولا مَن ينهي عنها ويجابهها ويقوّمها، ويجادل بالتي هي أحسن وأقوَم.

بل أننا قد أمعنّا بتجهيل أنفسنا وإبتعادنا عن إستلهام وفهم وإدراك ما قام به قادتنا وأئمتنا الكبار، الذين رسموا لنا خارطة الحياة الحرة العزيزة الكريمة بوضوح لا تعرفه أية أمة غيرنا.

تلك ثورة كبرى ونادرة ومنيرة لكننا نجهلها ونحرّفها ونؤذيها ونعتدي على جوهرها  ولا نتعلم منها، ولا نستلهم معانيها ودلالاتها العظيمة الخالدة، ولا نكون من جنودها الأوفياء الصادقين وإنما جنودا لفتاوى المغرضين المتاجرين بالدين وبأمة محمد أجمعين.

تحية إجلال وتقدير للرموز والمراجع الدينية التي تتادي بالرجوع إلى جوهر الثورة الإنسانية الخالدة، وتحث على رفض السلوكيات الدخيلة المناهضة لها وللدين.

وهذا الموضوع أيضا يثير العجب، فالرموز كافة متفقة على رفض ما يتحقق في الواقع العاشورائي من تفاعلات دخيلة على الدين، لكن الذي يحصل يزداد إمعانا باللامعقول والخارج عن بديهيات الوعي والإدراك والتقدير السليم.

فهل أنها متاجرة بأسمى سمات الدين؟!

وهل سنعرف الثورة الحسينية ونحققها بسلوكنا لكي نكون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم