أقلام حرة

هل دخلت كوردستان في المتاهة المعلومة؟

عماد عليكان الامس هو اخر يوم من شهر الاب (لا يمكن ذكره بتاريخ ويومه وشهره لخطورة ردود الافعال المتوقعة حول التسمية مهما كانت)، نعم مرت علينا ذكرى اليمة ومحزنة حصلت فيها عملية عسكرية مبنية على عقلية وسلوك واسس فكرية غير متوقعة  وقد تبنيت كل شيء من اجل الحزب حتى على حساب الانسان ذاته، وانها عملية وثمرة عقلية غير مسبوقة بهذا الشكل في تاريخنا وربما في اي بلد ومرحلة كانت مهما كانت الدواعي والاسباب والعوامل ورائها فلا يمكن التوقع ان تدعو عدوك الشرس المفترس الطاغي الخطير ان يساعدك على حساب ارض وكرامة وعزة ودم الشهادء التي سالت على يده ووصل الى استعمال افتك الاسحلة بما فيها الكيمائية ضدك انت، ومن دون خجل تفتخر بما اقدمت عليه وتدعي بانك استخدمته لتحقيق هدف حزبي على حساب تاريخك وسيادتك وتاتي بالحجج الواهية غير المعقولة كما هو من ينافسك ايضا لكل ما تقدم عليه.

هنا لا اريد ان ابرّء الجانب المقابل في تلك المعادلة التي مد يده الى عدو خارجي اخر ل لشعب ولكنه بشكل وطريقة ربما يعتبرها هو محترمة وليست خارج المعهود ولم يصل الى دعوته بشكل مباشر لتصفية الحسابات مع منافسه بسواعد العدو بنفسه كما حدث في 31 اب، نعم ساعده العدو بشكل غير مباشر او متدخلا بقوته وما يمتلكه كدولة من الامكانيات العسكرية والمادية في الصراع الذي كان قائما في تلك المرحلة الا انه لم تصل الحال الى ان تسبقه قوات العدو في احتلال مدينة والبرلمان كمؤسسة معنوية تصل الى حد القداسة لكوردستان التي لم تشهد في تاريخها ان تحكم نفسها ككيان منذ ان قسمت بين دول المنطقة وجلبت معها جراء تلك الحالة الكثير من الويلات على ابناءها.

كانت 31 من اب انعطافة تاريخية خطيرة من باب الخيانة على الساحة السياسية الكوردستانية وتوالت بعد ذلك ردود الافعال واحدثت شرخت كبيرا وخدشا وجرحا كبيرا في التاريخ الكوردي  الحديث على الرغم من عدم خلو تاريخ الثورات الكوردستانية من افعال واحداث مخزية على ايدي قادتها نتيجة الواقع المزدري وما استوجبت حالهم على التنازلات او ما فرضته المعادلات السياسية وتلاعبت بهم الدول التي انقسمت كوردستان عليها ولكنها لم تصل الى ما صول اليه هذا الاخير. ومن المؤكد انه للقوى العظمى يد فيما جرى نتيجة ما شاهدناه من مواقف مختلة او متذبذبة ازاء ما حدث في هذه المنطقة بالذات، وما صدر من القرارات وبالاخص فيما يخص كوردستان والهجرة المليونية بعد تحرير الكويت والانتفاضة الكوردستانية واتلحرب الداخلية، الا ان اكبر الانعطافات هي ما حدث في 31 من اب ولم تدخل هذه القوى لمنعها، اي بعدما وصل الصراع الداخلي الى ما يعلمه الجميع واثبتت امورا كثيرا ومنها تقسيم جزء من كوردستان  الى جزئين فعليا على الارض ودخلت القضية الكوردستانية وما وصلت اليه الى متاهات مجهولة ومظلمة جدا ونحن نلمس اثارها  البارزة المتكررة حتى اليوم وبعد اكثر من 13 عاما. وما لم يتحدث عنه احد ان الصراعات التي حدثت وادخلت القضية الكوردستانية الى المازق الخطير كانت على ايدي الحرس القديم وما فعلوا في صراعاتهم في وقت داكن من تاريخ الثورة الكوردستانية والصراع الخفي والعلني الذي بعث اخطر ما يمكن ان يحدث في اية ثورة وهو الانقسام الفكري السياسي من القاعدة الى اعلى الهرم. انها متاهة حقا لا يمكن ايجاد الحلول وايجاد المخرج والبديل لحد الان، والاحرى فانه لا يمكن ان نجد الحلول الا بتنظيف الساحة من العقليات التي تدير كوردستان وهي المتاثرة بتلك العقلية او حاملة لصلبها وان كان حاملوها من الجيل الجديد وفان عقلهم المتوارث من تلك القيادات وعوائلهم وشللهم ودوائرهم الذين يحكمون الناس اليوم ايضا دون ان يرى احد في الافق نورا، لا بل نرى قيادات شابة يفكر ويصارع ويتحرك وكانه من ذلك الجيل نفسه او اخطر والذي قسم كوردستان اكثر وادخلها في المتاهة التي تعيش فيها منذ الانعطافة الخطيرة بل منذ اكثر خمسين عاما.

المتاهة العميقة التي ليس لها  النهاية، هي على الصعيد العقلي الفكري التي اثرت على الاجيال واثبتت في عقولهم وفرض عليهم نوعية التعامل مع التاريخ وتجسيد انكر التوجهات والعقائد السياسية في اذهان من يتعاطى مع السياسة سواء من المقربين لهم من المتنفذين على الساحة السياسية طوال هذه العقود او على الناس الموالين لهم بشكل عام، وما جرى طوال هذه المدة على ايدي هؤلاء كان اخطر من مما اقترفته الاعداء ضد الشعب الكوردستاني المسالم.

لو اراد اي مخلص لهذا الشعب ان يفكر في كيفية اخراجه من هذه المتاهة التي ادخلته فيها من لم يقدّر الظروف العامة سياسيا وثقافيا وفكريا، وكان نتاج عملهم هو ما فرضته النرجسية والطمع الشخصي في المراحل السابقة وتوارثته اجيالهم المتحكمين بمصير كوردستان لحد هذه الساعة، وان البديل  للمراقب المخلص لابد ان يفكر فيه هو الثورة في الوقت المناسب لها، ولكن هنا يمكن ان تنعكس الثورة ضدا عليه ايضا ان لم يقدر الوضع العام وما يمكن ان يفعله المتربصين في اية لحظة يمكن ان يستغلوه، كما حدث بعد عملية الاستفتاء .

يمكننا ان نقول ان الشعب الكوردستاني قد اجبر علي الادخال الى متاهات متتالية على يد قادته بانفسهم بدءا من اواسط الستينات وحتى اواسط التسعينات (اي من 1966- 1996) والصراع الدامي والحروب الداخلية التي ازدادت من حلكة المتاهات وانسداد النوافذ التي كان من الممكن الخروج منها. والثورة المطلوبة هي التي يمكن ان تزيح المتوارثين لرؤس تلك العمليات بين تلك الفترة بشكل كاسح واحلال البديل العقلاني العصري  الخبير العالم بخفايا الامور التي اثرت على وضع الكورد ولم يلتفت الى كل ما فرضته تلك الصراعات والتحديات وما افرزته  تداعيات الدماء التي سالت بايديهم هم بعيدا عن الاعداء.

واننا نتاكد ونلمس ما يحدث ويؤكد لنا ان متاهتنا تطول مسافة وزمنا ولم نجد من المنقذ لحد الساعة، لا بل من المتوقع ان يزداد التعقيد وتغلق الطرق التي من الممكن سلكها اليوم على ايدي الوارثين هؤلاء . فيزديون المتاهة اكثر ظلاما ويضعون العقبات امام الخيرين ما يجعلهم يتياسون من التدخل ويفقدون الامل في ايجاد الحلول والعمل وتبقى الحال كما هي عليها ربما لاجيال مقبلة ايضا. ان ما يمكن ان نجده هنا هو اختلاف متاهة الكورد عن الاخرين وهو ان المتاهة في اي مكان اخر تكون معلومة البداية والباني والمرحلة والاسباب  والدوافع للدخول فيها وكما هو السائد في اكثرها تكون على ايدي مجهولة في اكثر ما يحدث ويصيب شعب ان يدخل في متاهة في بقاع اخرى من العالم باي شكل كانت. وان اكثر المتاهات  كانت على ايدي مجهولة او ما تعرف بمتاهة المجهول سواء شخصا كان او اي شيء اخر، اما ما دخلت فيها كوردستان فانها دخلت في متاهة المعلوم وهو من نتاج العقلية القيادية الكوردية الساذجة وصراعاتهم على اسس مقرفة وقذرة.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم