أقلام حرة

عندما يأكل الحمار حمارا!!

صادق السامرائيرأيت اللبوة تلعب مع الغزالة ولا تأكلها في أحد مراكز رعاية الحيوان، وشاهدت كيف القطط يمكنها أن تبني علاقة صداقة مع الكلاب، لكني لم أسمع أو أرقب حمارا يأكل حمارا!

قد تندهشون، لكن الذي صادفني أن الحمار يأكل حمارا!!

كنت أسير في دروب ذات عثرات ومفاجآت وتداعيات وتطورات لا يمكنها أن تحلق في أفق خيال بشري، وجزت مصاعبا وتحديات وتقافزت ما بين الأوطان، وتهت في صحارى الويلات وتخبطت مع الفقراء والجياع والبسطاء، وجالستهم وتحدثنا عن مواطن الإذلال والهوان، وكيف صارت الأرانب أسودا، والحمقى ذوي جاهٍ وسلطان، وكيف نموت وتحيا الأسوار، ولماذا يتم التعذيب بالحرمان من الكهرباء، ولماذا تتناطح الأكباش وهي في طريقها إلى المجزرة وفقا لأوانها.

وتعجبنا وتأوهنا وتوضأنا بالدموع وتدثرنا بالأحزان وإختنقنا برياح الخيبات، وتساءلنا عن الفساد الذي يقهر الناس  ويبدد حياتهم.

وغادرت خيمة الأوجاع، وتحاملت على نفسي وهمت في جزر الواق واق، وما عرفت فيها إلا السماء والماء , وما توارد إلى سمعي صوت رصاص أو إنفجار فناء ودمار وخراب في زمن الحرق بالآهات.

وبينما أنا أطوف في جزر التساؤلات، صادفني حمار يأكل حمارا، فتعجبت من الأمر، وإنتظرته حتى شبع، ونهق نهقة مدوية وتنحى جانبا وكأنه يبكي.

إقتربت من الحمار العجيب وسألته غاضبا: تبدو بهيأة حمار لكنك تأكل حمارا!!

قال: نعم أنا حمار!!

قلت: لا أصدق ذلك، وأخشى أن تكون أسدا، فالحمير لا تأكل اللحم ولا تأكل بعضها؟

قال: أنا حمار!!

ومضى ينهق ويثير التراب وكان نهيقه كالصراخ المرعب.

فقلت: يا حمار وكيف يصح في الأفهام ما تقول , أن الحمارَ يأكل حمارا!!

قال: ألا تنظر إلى ما تفعلونه ببعضكم؟

قلت: نحن نتفاعل بأصول حضارية وإنسانية تنظمها القوانين.

فنهق الحمار مستهزئا وأطلق صوتا غريبا من مؤخرته ومضى ينهق، وبعد أن إكتفى، كشر عن أسنانه وقال: صدقت، فأيهما الحمار، أنا أم أنت؟

وأضاف:جعت فأكلت حمارا، وأنتم لا تجوعون وتقتلون الآلاف من أبناء نوعكم.

قلت: لا تأخذني إلى ما يبعدني عن السؤال، وما أريد معرفته ما رأيته من سلوك لم يُذكر عند الحمير.

قال: وماذا تريد أن تعرف؟

قلت: لماذا تأكل حمارا وأنت حمار؟

قال: القصة طويلة وقاسية.

قلت: سأستمع حتى ولو تجاوزت الأيام.

وبعد أن تمرغ بالتراب، وتأمل فريسته، تغيرت قسمات وجهه، وإنتحب، ثم إضطرب، وتحسر وتأوّف وغاب في صمت ثقيل.

وبعد برهةٍ قال:أسروني وأخذوني إلى مختبرات الضياع والغياب، وفعلوا ما فعلوه بي من التجارب والإختبارات التي أبدلت دماغي، وكأنهم أجروا عملية جراحية نفسية، أجهزوا فيها على ذاتي وكياني، فتحولت من حمار يأكل الحشيش، إلى حمار يأكل لحم أخيه.

وأضاف: هل أدركت مـأساتي؟

قلت: لا أفهم ما تقول

فقال: ألا تراهم يأكلون بعضهم، وسيأكلونك.. أ لم تتعلم بعد كيف تأكل أخاك؟!

قلت: كيف؟

قال: ألا تنظر ما يجري حولك... أنظر... قبل أن تسألني لماذا أأكل لحم أخي الحمار؟!

ونهق الحمار ومضى يأكل الحمار!!

وإبتعدت عن المكان، وحسبت الحمار مجنونا.

 وقلت لنفسي : إن الديناصورات أكلت الديناصورات، والأسماك تأكل الأسماك، والطيور تأكل الطيور، فما الغرابة في أكلنا لبعضنا البعض، مثل هذا الحمار الساغب المسعور؟!

وتراءت أمامي صور البشر المسجور بالبشر!!

ونهق الحمار مرة أخرى، وكأنه يقول أين المفر؟!

لكنه علمني أسرار الصور!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم