أقلام حرة

هل تستمر مرحلة خضوع العالم لامريكا كثيرا؟

عماد علييبدو ان المرحلة الحالية لما يجري في العالم وما يمكن تقييمها وفق السياسات العالميةالجارية وما يحصل وفيه من التناقضات تفرض علينا ان نحس بعدم استقراره اي العالم او بقاء اهتزازه بشكل دائم تحت الضغوطات المصلحية الناتجة من النظام الراسمالي العالمي، مما يجعلنا هذا ان نعتقد بانها مرحلة متنقلة مهما طالت او قصرت مدتها. فان انفكاك الاتحاد السوفيتي شرع الابواب على مصراعيها في بدايته ليجعل ان تامر وتنهي امريكا ما تريد على كافة بقاع العالم فيما يهم مصلحتها من كافة الجوانب، وبالاخص ما يهمها استراتيجيا من الفلسفة التي تتبعها والاستناد على السياسية المستندة على فرض المصالح كي تتحكم في المواقف في كل بقعة من العالم بدون استثناء، منتشية بانتصارها على خصمها واعتلائها عرش الارض لفترة اعتقدت انها تكون ابدية، الا انها ادركت ما لم تعتقده من ان الفترة التي تتمكن من التحكم بكل شيء هي انتقالية عابرة، وتاكد لها هذا بعدما برزت القوة الروسية والصينية وهي في بداياتها منذ مابعد الغلاسنوست والبروسترويكا التي فرضت الفوضى عالميا ولم تسنح الفرصة لاعادة التنظيم الدقيق للنظام العالمي مما جعل ان تستغل امريكا الفجوة وتكتسح العالم بقوة خفية دبلوماسية الظاهر وعسكرية المضمون وان كانت الضغوطات في اكثرها تمارس عبر قنوات دبلوماسية على دول ومواقع تفاجئت من السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي الذي كان السد المنيع لديهم امام غطرسة امريكا على الاقل مهما كان بنية نظامه لو حُسب بمنظور الفكر الذي يحتاج لمدة طويلة لبيان صحته، ان بنيته هش في الداخل ولم يتحمل الصراع بعد حرب باردة طويلة الامد وغطرستها واخطائها التي اثرت عليها اكثر من تنافسها مع الاتحاد السوفيتي في حينه.

اليوم وبعد هدوء الحالة الفوضوية من السياسات العالمية بيد امريكا والتي لم تنتظرها الكثير من الدول من ان تكون بهذه الدرجة من الفوضى وعدم التنظيم رغم المؤسسات الكبيرة للتنظير وارحام ولادة الافكار والاستراتيجيات فيها، بل تفاجئت هي من هول افرازاتها السلبية عليها واحتاجب لمرحلة كي تعيد مكانتها لمقاومة ما يُفرض عليها دون ارادتها، كما ارادت امريكا ذلك بالاخص ما تعاملت به على بقايا اعضاء حلف الوارشو والمعسكر الاشتراكي ابان الاتحاد السوفيتي وما بعده مما حدا بالبعض من تلك الدول الى الاستسلام الكامل والتنازل الفوري الكبير لكل ما اتسمت به وعملت عليه وعما كانت تسير عليه من اجل ارضاء الوحش، وبعض منها سايست وراوغت الى ان هدأ الامر عليها واستقر بعد الهيجان ومن ثم رسمت هي ما تريد وفق المستجدات، ومنها قاومت لم تستلم كثيرا واصبحت تحمى نفسها من امريكا ومحاولتها التي لم تقف في سحب البساط من تحت ارجل من يمكن ان تشك فيه بانه لا يمكن ان يستسلم بسهولة، فادعت تضاليل وتحججت بامور واهية وخططت مخابراتيا اكثر من الجانب الدبلوماسي وبدأت بازاحة او تهميش ما تفضلته من الافكار والافعال التي كانت هي مصدر بناءها وكشفت فيما بعد انها انعكست عليها سلبا ايضا، مع تجريف ما اعتقدت ان بامكانها ان تفعلها بشكل مطلق وبالاخص في منطقة الشرق الاوسط وامريكا اللاتينية التي تاثرت بشكل مباشر بما حدث.

اليوم وبعد حوالي ثلاث عقود على الانعطافة العالمية الخطيرة بعد الانهيار السوفيتي والانفكاك غير المنظم، اصبحت هناك قوى لا يمكن ان تتجاهلها امريكا في سياساتها لا بل اصبحت ندا كبيرا وقويا لها ومن المعتقد انها ستصبح اقوى خلال المرحلة المقبلة ما بعد المرحلة الانتقالية التي استغلتها امريكا مابعد الاتحاد السوفيتي في تحقيق اهدافها المرحلية وتقدمت خطوات قليلة في مسارها الاستراتيجية فكريا وفلسفيا عن اتباع نظام الرسمالي العالمي وما فسح لها من المجال الواسع للتقدم الكبير دون ان تتمكن من ذلك، اما بعد، فانها هدات شيئا بعد التغييرات مابعد الهيجان والفوضى وما جلبت من الاستقرار الجزئي، وهي تفعل ما تتمكن من اجل اكمال ما تهدفه.

السؤال الهام هو هل يستمر العالم او من خضع مجبرا لامريكا الاستمرار في الخضوع لها رغم ما هدأ من الامر عليهم وفسح المجال امامهم لاتباع سياسات خاصة بهم بعيدا عن الخضوع والخنوع والتنازل، واليوم باماكنهم ضمان مصالحهم شيئاما بطرق اخرى وان اتبعوا سياسات مستقلة بعيدة عن اي قطب يمكن ان يبرز ويتنافس على الارض قريبا او بان ملامحه شيئا ما. وهذا ما نراه في اماكن عدة من تراجع البعض عن مواقفه التي اجبر عليها ومحاولة ادامة سياساته بشكل مستقل نوعيا بعيدا عن ما تفرضه امركيا بشكل مباشر، ويمكننا ن نقول بان هناك قوى بدأت تعيد مكانتها واصبحت غريما وندا مباشرا ورقم جديدا على الساحة العالمية، فان ما تنفذه امريكا اليوم ان لم يكن مبنية على اعادة النظر فيما اقدمت عليه في الفترة او المرحلة الانتقالية فانها كما اصطدمت خلال المرحلة الحالية فانها ستواجه الكثير من العواقب في المستقبل القريب ايضا، ومن يدقق في تعاملها مع القضايا يكشف مدى تغييرها في العمل مقارنة مع تلك المرحلة التي اغترت فيها. انها تغطرست واستدركت انها لا يمكن ان تستمر على تلك الحالة.

اليوم وبعد كل تلك التغييرات الكبيرة ما بعد الانعطافة العالمية الكبيرة، لا يمكن ان نعتقد بان الفسحة او المجال او الطريق التي اتخذتها امريكا مابعد الاتحاد السوفيتي ان تكون سهلة المرور. وبعد كل تلك التشوهات السياسية التي اتبعتها وما فرضته عليها سياساتها وما استندت عليها من الفلسفة الراسمالية العالمية البحتة المستندة على الكثير من المغالطات او الافكار غير الممكنة التحقيق بعيدا عن التضليل، فانها سوف تتراجع اكثر امام الحقائق والاصح المناسب لحياة البشرية على الارض، وهنا لا نبالغ ان قلنا بان الراسمالية قد تقبر نفسها في نهاية هذه المرحلة او قد بدات بحفر قبرها نتيجة ما فسحت لها من المجال بحرية كي تثبت بانها الصح بحرية تامة وتطبق ما تحوي في صلب فلسفتها وتخرج الى الملا ماهو مضمونها بعيدة عن المنافسة، اي انها كشفت مكامنها اكثر من ما كانت عليه ابان المنافسة والصراع مع الاتحاد السوفيتي، وما يُفرز بحرية وبعيد عن المضايقات والتنافس ومتطلباته هو الاصح والاحق، وعليه فان الممانع الذاتي للفلسفة الراسمالية وهو الحقيقي الصحيح برز من داخلها، وبدت لنا ان ما فسره ماركس والاخرون حول الراسمالية قد بان في الافق ويسطع اكثر كلما تقدمنا واخذت امريكا ونظامها وهي على راس الراسمالية ان تكشف زيف الادعاءات الانسانية التي تطلقها في تفسير وتحليل وشرح فلسفتها. وان العالم لم يعد كما كان في المرحلة السابقة ولا يمكن الخضوع تماما على الرغم من بقاء سطوتها على الكثيرين، وكما يكشف لنا عدم رسو الناقلة الايرانية في ميناء اية دولة في هذه المرحلة، ويمكن ان نعكس ما يحدث على انه هو بيان لموقع امريكا، ولو تعمقنا في بيان ما يحدث وكانه عملية فكرية سياسية بحتة اضافة الى بيان القوة لامريكا والقوى الراسمالية العالمية المتحالفة معها في العالم. غير ان لو تابعنا ما يحدث بعيدا عن المظهريات التي تتبعها امريكا بشكل مبالغ فانها تخضع لابسط الضغوطات وتلح على امور تبين للجميع بانها قد اصطدمت بما برز امامها وسوف تتراجع اكثر في المراحل القادمة.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم