أقلام حرة

الإندثار العقائدي!!

صادق السامرائيالأحزاب والحركات العقائدية تندثر وتدوسها عجلات الزمن المتحركة بتعجيل متزايد، ذلك أنها لا تتحسس عوامل التعرية الحاصلة في الحياة، فتجنح للإندحار في ذاتها وموضوعها، وتتحول إلى موجود متصلد أو متجلمد لا يسمح بنفاذ الأفكار.

فالمعتقدون يتخندقون ويستحضرون ما يعزز تصوراتهم، ويسوّغ أعمالهم المتصلة بما يعتقدون به، ومع تكرار هذا السلوك تترسخ في دنياهم طاقات إنفعالية وقدرات عاطفية هائلة تمنع العقل من الحضور، بل تستعبده وتسخره لما يساهم في تأكيد المعتقد.

وفي حقيقة ما يجري أن الإعتقاد يتحول إلى وهم مقيم وفاعل في كيان المُعتقِد، وهذا الوهم يكون أوليا راسخا لا يمكن زعزعته والتفاعل معه بغير ما يهدف إليه، لأن الإنفجار العاطفي سيكون مدويا وصاعقا، ولا يختلف هؤلاء المعتقدون عن أي مريض عقلي ينخر وعيه وهمٌ عظيم، والفرق أن الوهمَ الإعتقادي يكون مترافقا مع أتباع يتهافتون نحو الوهم المزعوم ويندحرون فيه.

والوهم مشكلة سلوكية وخيمة تتسبب بتداعيات ومخاطر جسيمة، لأنه يخطف البشر من وعيه الواقعي ويلقي به في متاهات التصورات والرؤى الغيبية البعيدة عن الإدراك، لكنه يكون فيها ويعيشها ويعمل بموجبها، حتى تراه قد تهاوى وإنتهى.

وهذا ينطبق على الأحزاب والحركات العقائدية بأنواعها ومشاربها، ولهذا نهاياتها تكون مروعة وذات تفاعلات دامية وقاسية، لأنها لا تستطيع أن تكون مرنة ومتطاوعة مع المستجدات، أي أنها تمسك الزمن من عنقه وتتوهم أنها قبضت على أنفاسه وعطلته، وهو الذي يأكلها ويستهلكها ويلقيها على جرف هارئ.

ولو راجعنا حالات الأحزاب وما إنتهت إليه، لتبينت عقائديتها الوهمية وتصوراتها الجامدة المعزَّزة بما يرسخها ويحجرها، وبأنها لا تجيد حتى النطاح الذي هو أسلوبها الأمثل للتعبير عن إراداتها الوهمية.

وبإختصار فأنها حالات مناهضة لذاتها ولحياتها، وبسبب سلوكها الوهمي تتراكم أسباب إندثارها فتتهاوى بغتة، وكأنها قد تآكلت ونُخِرت وما عادت قادرة على الصمود بوجه أضعف هبة ريح.

وقد سقطت العديد من الأحزاب والأنظمة السياسية العقائدية، وأظننا نعيش مقدمات تهاوي نظام عقائدي آخر تعشعش في وعيه الأوهام، وتهيمن على مداركه الغيبيات الماحقات.

فهل أن الذي يجب ان يكون سيكون فعلا؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم