أقلام حرة

الموغابية ظاهرة سلوكية متكررة!!

صادق السامرائيالموغابية نسبة إلى رئيس زمبابوي روبرت موغابي الذي توفى قبل أيام عن عمر ناهز الخامسة والتسعين.

وقد حكم بلاده بجبروت وإستبداد، بعد أن كان مناضلا ثوريا مثقفا كافح من أجل تحرير شعبه من الإحتلال البريطاني.

ونضال الرجل مشهود وكذلك إستبداده، فهو صورتان سلوكيتان متناقضتان تماما.

فكان قبل الحكم غيره بعد أن تسنم السلطة وصار الرجل الأقوى في البلاد، فكيف يمكن تفسير ذلك؟

أولا: التماهي مع الظالم

من الواضح أن المظلوم عندما يتخلص من ظالمه يتماهى معه ويأتي بأشد مما كان يفعله ذلك الظالم به، ولهذا تجد العديد من أنظمة الحكم الظالمة عندما تتغير يتأسس بعدها نظام حكم يكون أشد ظلما وقسوة منها، وهذه حالة تتصل بنوازع النفس السيئة، وليس من السهل ضبطها والتعامل معها بحكمة وعقل.

ثانيا: غياب الروادع

القادة الذين خلدهم التأريخ وأحبتهم شعوبهم هم الذين إحتفظوا بروادع سلوكية وأخلاقية تهذبهم أثناء حكمهم، فما تجاوزوا ولا إستهتروا بالقوة وإمتيازات الحكم، بل إعتبروها أمانة وطنية عليهم أن يخلصوا بتأديتها كواجب وطني ومسؤولية كبيرة.

لكن معظمهم تنفلت نوازعهم وتفقد الروادع التي كانت فيهم قدرتها على العمل والتهذيب، فينطلقون في مشوار الإستحواذ والفساد والإستبداد والتعنت والطغيان وبشراسة غير معهودة فيهم.

ثالثا:الوهم العظيم

الموقع الأول في الدولة بمراسيمه وأتكيتاته، يتسبب بتنامي الأوهام في الشخص الذي أمسك بالسلطة، ويغذي هذا الوهم البطانة التي تتفاعل حوله من أجل مصالحها الدونية.

وبتواصل أيام حكمه تزداد أوهامه ثباتا وغلوا، حتى ليتصور بأنه حالة لا يمكن للشعب أن يحيا بدونها، وأنه من المُصْطَفين أو المُختارين بأمر قوة عُليا، وما يقوم به تنفيذا لأمر ربٍّ عظيم.

رابعا:الشك

شعور سقيم يرافق الجالسين على كراسي السلطة بأنواعها، ويزداد فعالية كلما إقترينا من الكرسي الأول في الدولة، الذي يكون مسكونا بأهوال الشك، ويكون معيارا لما يرى ويدرك ويتصور، وبموجبه يتخذ قراراته ويفتك بأقرب الناس إليه، لأنه يعيش في دوامات الشك الرهيب الذي يهيمن على حواسه ومداركه.

وهناك عوامل أخرى كثيرة يمكن إستحضارها، لكن هذه العوامل الأربعة لها دورها الأساسي في فهم حالة الإنقلاب السلوكي للبشر، ما بين النضال والثورة والتمكن من السلطة والحكم.

والأمثلة على الظاهرة الموغابية عديدة ولا تزال فاعلة في المجتمعات المتأخرة، وفي دولنا التي إبتليت بالموغابيين المتمثلين بالأفرادا والفئات والأحزاب وغيرهم، وما يقومون به لا يختلف كثيرا عما عاشته زمبابوي تحت حكم موغابي المناضل الثائر والمثقف، بل أن الذي حصل في العديد من مجتمعاتنا أشد قسوة وشراسة وإستبدادا مما جرى في عهد موغابي، الذي لم ينكر شعبه تأريخه النضالي فما أهانه، بل إحتفى به رمزا للحرية والكفاح الوطني رغم معاناته منه في فترة حكمه.

فهل لدينا القدرة والشجاعة على مواجهة أنفسنا مثلما فعل شعب زمبابوي؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم