أقلام حرة

كيف اضاف الحزب الشيوعي الروسي خمسة مقاعد له في برلمان موسكو؟

عماد عليجرت انتخابات برلمان مدن روسيا يوم احد الماضي، وخسر الحزب الحاكم (روسيا الموحدة) الكثير من مقاعده في بعض المدن الرئيسية، وفي موسكو لوحدها مني بخسارة اكثر من ثلث مقاعده التي بلغت 38 مقعدا فانخفضت الى 26 مقعدا من مجموع 45 مقعدا في موسكو، واضيفت خمسة من تلك المقاعد التي خسرها الحزب الحاكم الى الحزب الشيوعي الروسي.

و ان تكلمنا بعيدا عن العاطفة والنشوة في فوز اي حزب يساري في العالم، فاننا يجب ان نقيّم ما يحصل اعتمادا على المتغيرات في روسيا والعالم ايضا وكيف اثرت على الاحزاب، وحتى كيف حدثت عملية الغلاسنوست والبرويسترويكا داخل الاحزاب الشوعية نفسها كي تستوعب ما حصل بين الشعب وتتوائم معه. فان كان هذا الفوز النسبي والتقدم الملحوظ لجماهيرية الحزب الشيوعي الروسي قد يدفعنا الى التمعن ومعرفة الامر في كيفية استقرار الاحزاب اليسارية في  كافة بلدان العالم بعد الاهتزازات التي حصلت لهم ابان البروسترويكا والغلاسنوست التي طرحها السيدغورباجوف للعالم الاشتراكي بشكل عام، فاننا ندرك اهمية التقييم الصحيح لما جرى. ان دقنا ما يجري عند العمل اليساري والشيوعية ومن ثم كيف كانت طوال هذين العقدين من جراء المقاومة وامتصاص الضربات التي وجهت اليها ونجحت حزئيا لحد الان, فلابد ان نقول ما عليه ايضا، اي الخلل في مسار التقدم  الملحوظ ورغم قصر الفترة الزمنية مقارنة بما يحتاجه الامر سياسي فكري فلسفي كهذا، فكان لابد ان يكون التقدم افضل واسرع لما افرزت من السلبيات لدى المقابل اي ما يفرز جراء ما تتحدى به الراسمالية الامريكية بشكل خاص العالم وتلعب باضطراب على الساحة العالمية وتكرر الاخطاء وتفضح نفسها في كثير من المناطق، الا ان الاحزاب اليسارية بشكل عام والشيوعية بشكل خاص لم تتمكن من اغتنام هذه الفرص التي توفرها امريكا بعد تخطبها وما حصل على يدها بعد نشوة مابعد البروسترويكا التي اغرقتها في الفوضى التي  صنعتها بيدها لنفسها، والعمل على ذلك من اجل بيان فحوى مباديء امريكا  وفلسفتها المرحلية القصيرة المدى وفق فحوى وصلب الفلسفة الحقيقية الصحيحة التي تثبت اصحيتها في النهاية، واستنادا على ما تفرضه المدة المطلوبة لاثبات اصحية المحتوى واحقية التوجه من اي فكر وفلسفة كانت. العمل السياسي وتاريخ الاحزاب الذي لا يمكن ان يًحتسب حتى بعقد او عقدين من الزمن كمدة طويلة لاعادة مكانة الذات وبناء اسس مغايرة وتنظيم ملائم يمكن ان يقاوم ما يصطدم به، فكيف بتحديد زمن لبيان اصحية فلسفة ومنهج وايديولوجيا ضربت من صلبها.  وهكذا كانت حال الاحزاب اليسارية وقاومت الكثير منها وتلائمت مع المستجدات او تكيفت لفترة معينة مع العاصفة بشكل جيد واعادت مكانتها بعد الهدوء وتوقفت الهيجانات وتحاول الاستمرار الان.

و ان كنا نريد ان نقيّم ما يحصل علميا في روسيا لابد ان نقول ان وجود الارضية التي اكتنفت اليسار او الشيوعي التي سيطرت عليها مصالح وافرزات تلك المراحل وما كان في وقته، ومهما كانت الارضية وكيف تغيرت وماحصلت فيها  عليها، فلابد ان تكون ايجابيات ما قبل مرحلة غورباجوف قد برزت نفسها فيما بعده والسلبيات قد اضمحلت بنفسها، ويمكن ترتيب الاهم على الارضية القديمة الجديدة المتينة المبنية اليوم بشكل واقعي بعيدا عن الخيال والمظهريات المبينة على متطلبات التنافس والصراع الذي كان قائما ابان الحرب الباردة. اي التروي والهدوء وعدم التحرك برد فعل او كاستجابة لمتطلبات مراحل معينة وافرازات مؤقتة وبروز امور مرحلية. فبخطى واثقة ومستندة على الحقيقة الفلسفية والافكار الصائبة للبشرية ومستقبلها يمكن ادامة المسيرة وان استغرقت قرون. الا ان ما حصل في موسكو يوضح لدينا شيئا مهما ولا يمكن ان ينتشينا وهو انتعاش اليسار وظهور ملامح العافية وان كان في اضافة هذه المقاعد اسباب اخرى غير الذي نتكلم عنه ايضا، وان لم تكن لها علاقة  بالتغييرات في حال الاحزاب اليسارية ايضا، اي هي امور سياسية بحتة، ومنها مجيء هذه الانتخابات بعد الاحتجاجات من حظر العديد من الشخصيات المعارضة البارزة في الترشح والتي تشير كل الاستنتاجات الى انهم لو وفر لهم المجال في الترشح لكانوا ضمن المقاعد الفائزة بدلا من التي اضيفت الى الحزب الشيوعي، وهذا يدعنا ان نحسبه مؤشرا على ان فوز جزء من هذه المقاعد الجديدة للحزب الشيوعي لم يكن جراء قناعة الناس باحقية الحزب الشيوعي الروسي بها، بل رد فعل او كبديل افضل من مرشحي الحزب الحاكم ليس الا. اي حاءت الفوز بعد تلك الخطة التي دعت فيها المعارضة الناس التصويت للسياسيين الاكثر قدرة على هزيمة المرشحين الموالين للكرملين مهما كانت احزابهم، وعليه يمكن الاعتقاد بان الحزب الشيوعي استفاد من هذه الدعوة، ولم تكن الاضافة وفق المتغيرات من نتاج اصحية ما اتبعه من طريق الحزب الشيوعي واحقيته والذي حصل على 13 مقاعد بعد ان كان 8 مقاعد في موسكو. وكان الاهم من الامر هنا هو خسارة رئيس فرع موسكو لحزب روسيا الموحدة (الذي قال ان الناس يصوتون بقلوبهم وليس بعقولهم!!) واحلال مرشح الشيوعي فائزا بديلا عنه.

الاهم من كل ماسبق لليسار هو الاعتبار من هذه العملية من كافة الجوانب؛ ومنها سياسية مرحلية وهي اهمية التحالفات وقراءة الواقع ودور المرشحين وتاريخهم وسمعتهم ونشاطاتهم وعلاقاتهم مع الناس التي اصبحت بديلا عن اهمية الحزب ودوره وفكره وفلسفته والتي لم تصبح بعد  اكثر اعتبارا للناس في تصويت مرشحهم في هذه المرحلة. اما الدروس التي يمكن استخلاصها هنا هو انه لابد من اعادة النظر في عمل احزاب اليسار وتعاملهم مع المرحلة وتكتيكاتهم وابقاء الاستناد في الاستراتيجية وكيف العمل بها والتعامل معها على النخبة وتوجهاتهم في هذه المرحلة. ويمكن التوجه الى التغييرات الكبيرة في اسلوب العمل والسلوك وكيفية ابقاء التوازن بين الامور المرحلية والدائمة والافكار والايديولوجيا بشكل  دائمي واتباع منهج مناسب ومتغير ايضا وفق التغييرات السريعة التي تحصل على الارض، ومن ثم تثبيت الاقدام وبعد ضمان الاستقرار الاستناد على الفلسفة في بداية الرحلة الطويلة التي ربما لا تستغرق عقودا فقط وانما قرونا ايضا. فليكن هذا النجاح المرحلي البسيط الصغير دافعا للعمل الاكثر والتدقيق لكافة الاحزاب اليسارية وليس الشيوعية فقط في العالم.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم