أقلام حرة

موت قبل موت!!

صادق السامرائييبدو أن الموت يتحقق نفسيا أولا وبدنيا ثانيا، فلا بد من الموت النفسي المسبق لكي يتحقق الموت البدني، فحالما يموت المخلوق نفسيا فأن موته البدني أو الجسمي سيتحقق حتما حتة ولو كان في تمام صحته وعافيته البدنية.

والذين ينتحرون يموتون نفسيا أولا ويعبّرون عن هذا الموت بالإنقضاض على وجودهم المادي أو الجسماني.

ويمكن تقدير مدى إقتراب الشخص من الإنتحار الحتمي من معرفة نسبة موته النفسي.

ومن علامات الموت النفسي أن البشر يكون فارغا من نسغ الحياة وطعمها وقيمتها ومعانيها، وكأنه أفرغ شحنات الحياة في التراب، وما عاد إلا موجودا ماديا خاويا.

فالحياة طاقة تسري في البدن، وإذا فقد البشر هذه الطاقة فأنه يكون ميتا نفسيا، وعازما على إنهاء وجوده البدني.

ويمكن إشاعة الموت النفسي بين البشر بالمواعظ الموتية المتكررة، وبالمواقف المقرونة بآليات عاطفية إنفعالية عدوانية خطيرة، تدفع إلى تفريغهم من طاقة النفس ونسغ الحياة، وتحيلهم أحطابا يابسة جاهزة للتحول إلى رماد.

وتلعب الطائفية والمذهبية وتوظيف الدين لإستعباد البشر دورها في إنجاز الموت النفسي، ودفع البشر إلى الموت الفردي والجماعي بسهولة وإندفاعية خارقة.

ولهذا تجد رخص البشر في المجتمعات المرهونة بالتفاعلات الطائفية والمذهبية والفئوية، لأن قادة هذه المسميات يعملون دوما وبتكرار ومواظبة وبإستحضارات إنفعالية وعاطفية سيئة،  تقتل البشر  نفسيا وتدمره روحيا وتحوّله إلى آلة أو أداة لتمرير رغباتهم وأهدافهم الشنعاء.

ومن هنا فأن الإنتحار كسلوك سيتفاقم في هذه المجتمعات، والسلوكيات المنحرفة ستتنامى، والميل للمخدرات وغيرها من المروعات ستتداهم.

لأن الميت نفسيا لا يأبه ولا يشعر، ولا يعنية من الأمر إلا الإقتراب مما يدمره ويقضي عليه، فقد يلجأ إلى الإنتحار الفعلي الصاخب، أو إلى الإنتحار السلبي الخنوعي الذي يمكن تسميته بالقتل البطيئ للبدن، لأن الموت النفسي ينفي وجود البدن ويحسبه عالة ومرارة، ومأساة يجب أن تصل إلى خاتمتها الترابية الأكيدة.

فهل من قدرة على إحياء النفوس لا تمويتها؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم