أقلام حرة

المطلوب من المثقف العراقي امام كوردستان

عماد عليلا اريد ان اعرّف المثقف الذي يحمل اوجه متعددة، والاهم من هذا انه يدعي ان ما يحمله بانه هو صلب الثقافة القحة المجردة  التي لا دخل لها بالمساحات الضيقة من النظرة الى الحياة اوالى المواضيع المختلفة وفق المنظور الخاص النابع من خلفية المثقف المقيّم وفق قياسات متبعة وعامة ومن خلال دائرة سياسية. اي النظر الى كافة الامور التي تخص الانسان بنظرة يمكن ان يدعيها انسانية نابعة من ما تتطلبه حياة الناس من اجل السعادة والرفاه التي يتمناه اي فرد كاهم هدف اساسي له بعيدا عن المباديء الخاصة التي يمتكلها الفرد وتتحكم به في اكثر الاحيان، وهذا ما يدفعه الى التقصير او عدم الوصول الى مستوى يمكن ان يظهر في حقيقته كمثقف وينظر اليه الجميع كمثقف حقيقي.

ربما ابسط قياس للمثقف هو الكائن المتغير باستمرار  وفق التغييرات التي تحصل في ذهنه وما يتابعه في مسيرة حياته يوميا ويؤثرعليه بشكل مستمر ويقوم بنفسه بطرح افكراه المتغيرة باستمرار وفق سياق ما يتعلمه في كل لحظة لما قبله ومما يدعه يشك في ما سار عليه او يندم في خطوات او مواقف اتخذها من قبل وتوضح لديه خطاه. هذه هي الثقافة لدى الفرد بابسط حالتها. اما تاثيرات الواقع الاجتماعي الثقافي الاقتصادي العام على كل مثقف فهو امر اخر وطويل ولا نريد الغول فيه هنا، لانه يحتاج الى وقت لبيان كل ما يمت به من جوانبه المختلفة وبيان جوهره المتاثر المتداخل مع البعض يتم بعملية يمكن توضيحها ديالكتيكيا. اي لا يمكن تحديد حدود مسار الثقافة بشكل قاطع الا ان تكون لها علاقة ديالكتيكية مع الحياة وما فيها، ولا يمكن مساواة نسبة الثقافة بين الفرد واخر حتى  وان كانت كافة الظروف المحيطة بهم متشابهة شكلا وجوهرا.

العراق بلد عريق وله تاريخ متموج من حيث مستوى الثقافات التي انتشرت فيهو استوعبها المثقفون او اثر على شعبهبشكل عام  منذ ماضيه الغابر وورثوها جيلا بعد اخر وان حصلت عليها التغييراته. كان هناك من هو المثقف الحقيقي او الزائف المدعي بالثقافة، ويمكن ان يُشهد لبعض منهم تبعا لديه من النتاجات الثفافية المعتبرة وما يتسم بالثقافة المتميزة، سواء في حياته العملية او معيشته الخاصة ونظرته الى الاخر او المواضيع الحساسة التي تتطلب موقفا اورايا يبني مدى ايمان المثقف بجوهر وحقيقة اي موضوع بعيدا عن التعصب والضيق في النفس الانساني وما يتصف به او استنادا على نرجسيته المرضي القتال في كيان كل مثقف في بداياته، فهي ان كانت في حقيقته زائفة فانها تسقطه وتجعله ان تترواح في الوحل وتمنعه من التقدم والارتقاء ابنفسه ومكانته وموقعه او يخرج بسلام من ما تفرضه الثقافة الزائفة، وتفرض الثقافة الحقيقية نفسها عليه مؤثرا عليه في بيان مواقفه من خلال نتاجات ثقافته.

القضايا والتعامل معها او النظرة لها هي التي يمكن ان تكون معيارا لمستوى المثقف ونظرته للحياة وعدالته الفكرية التي يتوصل اليها المثقف ان خرج من القيود النفسية والاجتماعية التي تفرضها البيئة والحياة العامةو شوائب التاريخ.

اليوم قصدنا ان نقيس المثقف العراقي من زاوية نظرته الى القضايا الحساسة المصيرية. ولا توجد اكثر حساسية ومصيرية في العراق من القضية الكوردية التي لها تاريخ وتداعيات وافرازات اثرت بشكل مباشر على مسار حياة الشعب العراقي من كافة النواحي بشكل عام. لو تكلمنا بدقة وبعيدا عن التعصب الفكري الايديولوجي ودون نرجسية المثقف التي تفرض احيانا اشكالا من التعصب الفردي او المصلحية في التعامل مع القضايا الكبيرة والصغيرة ايضا. لمسنا في سياق التعامل الخاص والعام مع هذه القضية عديدا من المواقف والرؤى والاراء، وكنا نتمنى ان نكشف هنا عن رضانا بشكل عام عما بحثنا فيه، ولكن ما لمسناه هو مواكبة مجاراة راي وموقف المثقف بشكل عام مع الواقع ومصلحته وان كان ظالما للقضية، اما خوفا من السلطة او لم يملك ما يتمتع به المثقف من المزايا المختلفة وانه بعيد عن الثقافة الحقيقية  التي من المفروض ان تؤثر اعلى عقليته او رؤياه للحياة والانسانية. لقد مر على هذه القضية العقود، ولا يمكن ان نشير بشكل نفتخر بمن كان من ضمن المثقفين له اليد في انصاف الكورد في قضيتهم، لا نتكلم عن المدعين من المثقفين وهم سياسيين وفي الدائرة التحزبية لاضيق البعيدة عن الثقافة الحقيقية قلبا وقالبا، بل نقصد المثقف الواعي الحقيقي جوهرا ومظهرا. لا نتجرا ان نشير الى عدد لا يزيد عن العشرات ان ضغطنا على انفسنا وادخلنا حتى ما يمكلون النسبة القليلة من النظرة الانسانية الى القضايا العامة. نعم وبعيدا عن كل الادعاءات الشخصية لما نقوم به، ونعتبر انفسنا غير مجحفين بحق الاخر، ولكن نحتك بمن لا يعلم ماهو الحق ومن يظلم او يغدر ويجحف بحق االخر وبمارس شتى الاساليب في مواجهة الحق بجحود لا مثيل له، وحتى من قبل المحسوبين على المثقفين وان كانوا غير مثقفين حقا او ليسوا بمثقفين حقيقيين في عقليتهم وثقافتهم ومعيشتهم وفكرهم ونظرتهم الى الاخر ومسار حياتهم وتعاملهم مع الواقع. منذ انبثاق العراق دولة والشعب العربي هو السائد اي هو من يقيّم الحال باعلى صوته، لكونه ينظر من الاعلى الى الامور والقضايا، ولكن لم نتمكن من تحديد مرحلة كان فيها المثقفون في طليعة الشعب المدعين لحقوق الاخر. فمنذ المرحلة الشيوعية والقومية والليبرالي وحتى الاسلامية الغابرة والجديدة الاخيرة، فلا يفرض علينا الذي كان موجودا ما يمكن ان نشير الى ماهو الصح وان نخجل ان انكرناه او نسيناه او لم نشهد به كمثل جميل وان كان نادرا، الا ان هنام عددا قليلا جدا لا يتعدى اصابع اليد، يمكن ان نشير اليهمبابنان وننصفهم ونقيميهم  على انهم تعاملوا مع الحال بحيادية وبنوا عليه مواقفهم ونظرتهم, فالمثقف العراقي بشكل عام والاكثرية السحقة منهم  مدينون لموقف صحيح امام الكورد وحياتهم وقضيتهم العادلة، نتيجة ما يفرضه فحوى وجوهر الثقافة الحقيقية الصحيحة التي تفرض نفسها عليهم كي يمكننا ن نعرّفهم بالمثقف الحقيقي. ولا يمكن ان لا نذكر المثقف الكوردي بانه الافضل او المنصف، اوهو المثالي، الا ان هناك فرق بين من له دولة مستقلة وصاحب كيان وقدرة، ومن ليس له ومغدور في حياته ويستحق كما غيره الكيان الخاص به (وارجوا ان لا يدعي البعض انه تعصب وتوجه عرقي، وان لا يصفني البعض بالانغلاق في العقلية والاندفاع في رايي ومواقفي وكتاباتي من زاوية قومية عرقية ضيقة، لان هناك ما يفند هذه الادعاءات لو قيّمنا الحال كما هي وما يجب ان يكون في ظل الموجود في الواقع وما يفرضه الموجود على اي كاتب.

ان كانت نرجسية المثقف هي الحاكم علي عقليته، فلم يصل من يمكن ان يتصف بهذا الى درجة المثقف، ان كانت نظرته حول القضايا الحساسة الانسانية لا تفترق عن الشخص الايديولوجي الحزبي، ولا يمكن ان يُقال ولو بشكل نظري فقط بانه وصل الى درجة ن يوضع في خانة المثقف، ان كان يحكم على الامور بزاوية سياسية ضيقة ويمتلك قدرة ثقافية معها لا يمكن ان يصنف بمثقف ايضا، وهكذا ليس كل متعلم هو مثقف والعكس صحيح ايضا، ويمكن ان نقول بصراحة تامة ان هناك مثقفين اميين وان كانوا يحملون درجة البروفيسور في شهادة دراسته العلمية كانت ام الادبية او الانسانية. وهنا يمكننا ان نتمنى من المثقف العراقي ومن ضمنهم الكثير من الكورد ايضا ان يصلوا الى مرحلة يمكننا ن نقول انهم مثقفون حقا ومن ثم يمكن ان نحكم مدى  تعمق الثقافة في كيانهم  اخلاقيا وادبيا وتعاملا مع الحياة وما فيها.  

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم