أقلام حرة

الوعي المبكر لمعنى الحياة!!

صادق السامرائيالمعتقدات الدينية بأنواعها منبثقة من محاولات وعي الجوهر الحقيقي للحياة، ومعاني الرحلة ما بين الولادة والموت، وقد إنتهت معظمها إلى مفاهيم متشابه وأجوبة متقاربة، تفسر لماذا جئنا وإلى أين الرحيل، وهل أن الحياة رحلة منتهية أم أنها متواصلة إلى الأبد بكينونات أخرى؟

والإسلام توصل إلى صياغة منظومة واضحة وتفصيلية عن الحياة، التي في منطلقها عبارة عن صيرورة مرهونة بالتواصل اليومي المواظب مع الخالق العظيم، والمتعارف عليه فقدان قيمتها وأهميتها بالمقارنة لما بعدها.

قد يعترض على هذا الإقتراب مَن يعترض، لكنه سائد ومُكرر ويمكن تفنيده وتبريره في ذات الوقت.

نعم الحياة عندما تستحضرها عقليا تبدو وكأنها لهو وعبث لأنها إلى إنتهاء وغياب، ولا يمكن للمخلوق أن يتواصل فيها إلا بالتوالد والإمتداد الجيني، الذي يعني أنه سيعبّر عما فيه بالأجيال المنبثقة منه.

فوعي حقيقة الحياة يجرد الأشياء من قيمتها المادية، ويختصرها بأن المُلك للخالق، والمخلوق لن يأخذ شيئا معه، وهو من التراب وسيعود إليه، وله ما سعى وأقام من العبادات والإنسلاخ عن الحياة الدنيا وعدم الإكتراث بها، وإعتبار ما يحصل مقدّرا ومكتوبا، وما عليه أن يكون فاعلا وإنما ساكنا ومُستكينا وممعنا بالقنوط واللامبالاة.

لكن هذا الوعي لا يجوز أن يكون مبكرا، لأنه سيحوّل الحياة إلى بُركة حامية الوطيس، بل أنه يجب أن يتأكد بعد هدوء العاطفة وإنجاز الإنسان لبعض ما فيه من القدرات والطاقات المتوافقة مع عصره، وبعد ذلك يمكنه أن يتعاقل ويتفاعل مع الحياة بتجاربه وخبراته التي إكتسبها.

والمشكلة المغفولة أن الإنسان في مجتمعاتنا يصل إلى هذا الوعي الأليم في بدايات حياته، مما يدفعه إلى تسخير طاقاته وإستثمارها في مشاريع متفقة وما يتصوره وينغرز فيه، فتجد الشاب يستسهل الموت ويحسبه غاية الحياة، ويخيم السأم على أيامه فينجم عنه سلوكيات متوافقة مع هذا الوعي.

ويساهم في نشر التصور اليائس العدمي العبثي عن الحياة الذين يتحدثون بإسم الدين، فيحشون خطبهم بما يعزز الرؤية السلبية عنها، ويوجهون طاقات الأجيال الصاعدة نحو الضياع والتبدد في نشاطات خسرانية معادية لها، فتصبح الحياة عبئا عليهم لا ميدانا للبناء والعطاء والإبداع والأمل والتقدم والرقاء، أي أنهم يصيبون الشباب بأوبئة فقدان قيمة الحياة، مما يؤهلهم للوقوع في حبائل الحركات الفتاكة الداعية إلى الموت بعد أن تؤطره بمعاني عقائدية وإستلهامية ذات وعود فنتازية، تجعل الشباب يتصورونه هو الخيار الأسمى والأصدق، فالحياة في الموت وحسب!!

فلماذا لا ندرس حياة النبي قبل الأربعين من العمر؟!!

وهل من رؤية ذات أفق جميل؟!!

 واتقوا ربكم يا ألوا الألباب!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم