أقلام حرة

كان وكانت وأمة هانت!!

صادق السامرائينمطية التفكير السائدة تتلخص بالبكائيات على الأطلال، والتغني بكان وكانت، والدنيا تتقدم وتتطور والأمة إستكانت وهانت، ولا جديد في الموضوع، لكن الحالة تتكرر وتصلني مقالات أشبه بالبكائيات يتم تداولها عبر شبكات التواصل الإجتماعي المتنوعة، وهي لا تجدي نفعا بقدر ما تساهم بترسيخ وتعزيز السلبية والإستسلامية والتعجيزية، ونفي الفعل والإصرار على أكون ويكون.

كان الحال كذا وكذا، وكانت الدنيا كذا وكذا، وعلينا أن نتباكى ونتظلم ونتشكى فهذا ما نستطيع فعله، أما عندما يأتي وقت الجد والعمل، فأننا نتراكض كالقطيع وراء الفتاوى، ونأتي بذات الوجوه الفاسدة المستحوذة على الوجود الوطني والمجتمعي بإسم الدين الذي تتاجر به وتستثري وتجور.

لماذا تسطو علينا إرادة كان وكانت، ولا نستطيع أن نستحضر إرادة نكون؟

المجتمعات الأخرى لا تفهم في هذه المفاهيم، وهي لا ترى إلا العمل لتطوير حاضرها وإستحضار مستقبلها، ولا توجد مفردات كان وكانت في معاجمها ووعيها الجمعي، فالحياة تدفق إبداعي وتوثب متواصل إلى الأمام ولا طريق غير الإنطلاق إلى الأمام.

بينما في مجتمعاتنا تهيمن على وعينا غيوم الورائية، وكأن وجوهنا إستدارت نحو ظهورنا، فلا نرى ولا نستوعب وندرك إلا ما يتساوق إلى الوراء، والعلة في هذا المصار الإندثاري أن في الواقع المعاش قدرات ضخ هائلة تعمي الأبصار وتؤجج العواطف والمشاعر، وتمنع التفاعل معه بمفردات العصر، وهي في جوهرها تدعو للبكاء واللطم والتظلم والتوهم، والمتاجرة بأسمى القيم والرموز العربية والدينية، وبهذا تجني أرباحا هائلة على حساب المساكين المضللين بالدجل والكذب المبرمج الصالح لجمع الأموال، وتأمين التبعية والمظلومية والعمل الجاد على الإستحواذ والإستعباد، وتحويل الناس إلى قطيع.

فالتشكي والتظلم توجهات إستباحية تبريرية للقيام بالمآثم والخطايا، وإقتراف أبشع الجرائم والعدوان على الآخرين، بذرائع باطلة وتسويغات جائرة، وفتاوى النفوس الأمارة بالسوء والفحشاء والمنكر الذي تقدمه على أنه جوهر المعروف.

إن من الواجب التصدي لهذه الطروحات بالعمل الجاد، والفعل المتبصر الهادف نحو التغيير والوصول إلى ما هو أفضل.

فلا تقل أن الواقع كذا وكذا، وتذهب إلى صناديق الإنتخاب وتؤاز الفاسدين والمجرمين، وتتعلل بأن ذلك بموجب فتوى فلانية ومنطلقات علانية، وأنت الذي تسعى بلا إرادة وتؤمن بالتبعية وعدم المسؤولية، فما دامت العمامة قد قالت فلا بد من السمع والطاعة.

وفي هذا السلوك تكمن مأساة شعب ووطن، لأن الشعوب لا تكون إلا بالإرادة الوطنية الحرة الصادقة المتفاعلة في وعاء الوطن المصان السيادة.

فهل لدينا القدرة على التعبير عن الإرادة الوطنية الحرة؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم