أقلام حرة

إذا فسد الراعي فسدت الرعية!!

صادق السامرائيذات يوم قال لي ذلك الرجل القصير القامة وهو يتكلم بنغمة أنفية خاصة، وعاش راعيا لمواشي المدينة عندما كانت المواشي ذات قيمة إقتصادية، والناس تعرف أسباب عيشها الرغيد وتطورها وتنميها، قبل أن تبلدها المدنية المزيفة وما جلبته من أضاليل تدميرية مستوردة.

قال لي وكانت الحرب قد بدأت : " صاحبنا لا يستطيع أن يرعى رأسين من الغنم"!!

قلت: كيف تقول ذلك؟

قال: القيادة بحاجة إلى راعي، وهذا ذئب يريد أن يرعى غنما، فكيف ستكون الأحوال؟

وتمتم: ألله يحفظكم من أعاصير الشرور التي أراها تلوح في أفق الأعوام.

ومضى في طيات الأيام، لكني تذكرت كلماته بعد ذلك، وأدركت أن القائد الحصيف يجب عليه أن يتعلم مهارات الرعي أولا، فإن لم تكن راعيا لن تكون قائدا، ولهذا نجد معظم الأنبياء والمصلحين كانت لديهم خبرات في الرعي.

وحضر هذه الأيام والكلام عن الفساد والإفساد بزكم الأنوف، ويرفع رايات المخازي والإستهتار بالقيم والمعايير والمثل، والكل يدّعي بأنه يمثل الدين القويم الذي بموجبه يمتهن الفساد والظلم والإمعان بالإستحواذ على مقدرات العباد والوطن.

والعلة الحقيقية في الراعي، فهو ذئب يريد إفتراس الرعية وتدميرهم والقبض على مصيرهم، والرعية دوما مرآة عاكسة للراعي، فإذا إستذأب إستذأبت، وإذا إستشرى إستشرت، وإذا إستكان إستكانت، وإذا ظلم ظلمت، وإذا إحتقر الأخلاق والقيم والمعايير مثله فعلت، وتلك معادلة سلوكية فاعلة في البشر على مر العصور، ولا جديد في الأمر.

لكن النقطة التي يمكن الإشارة إليها، أن ما يكتبه الكتاب ويصرح به المفكرون والمثقفون من علاجات لا تنفع لأن الراعي فاسد ومصاب بهوس الإستحواذ والإستذئاب، وإن شئتم فأن الراعي المفترض "مكلوب"، ولا يتوقف عن عض البشر.

فالتغيير الإيجابي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود الراعي الأمين الخبير الصادق الصالح، الذي يفكر بمصلحة رعيته ويجد ويجتهد في إقامة العدل وتوفير أسباب الحياة الحرة الكريمة لهم أجمعين.

أما إذا كان الراعي غير ذلك فلا أمل يُرتجى ولا مستقبل أفضل، لأن سلوكه المنحرف سيؤهل أجيالا منخرفة تكرر ممارساته الشاذة المخزية، وبهذا يتدمر المجتمع ويضعف الوطن.

فهل من قدرة على الإتيان براعٍ أمين؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم