أقلام حرة

ديمقراطية يوسف!!

صادق السامرائيالديمقراطية الحقيقية ليست نظاما سياسيا خالصا وإنما جوهرها الإقتصاد، وبدون نظام إقتصادي وقدرات تنموية ومشاريع ذات قيمة نافعة للناس، لا يمكن الحديث عن الديمقراطية التي إختصرناها لجهلنا بها بإصبع بنفسجي وإنتخابات، وهي لا تمنع من برد ولا تطعم من جوع.

الديمقراطية تعني الزراعة والتجارة والصناعة والبناء والنقل، والرعاية الصحية والتقدم العلمي والثقافي، وتوفير الفرص لإطلاق طاقات الإنسان، وتحقيق أعلى درجات تفاعل الإجيال وتماسكها الحضاري الواعد بمطلق الولادات.

وما تواجهه دعوات الديمقراطية في مجتمعاتنا أنها توهمت بأنها نظام سياسي خالص، وجردتها من أعمدتها الأقوى، ودعائمها اللازمة للحفاظ على إستقامة قامتها وإنضباط خطواتها، فتحولت إلى تحزّبات وتخندقات وفئويات، ومطالبات بموضوعات خارجة عن العصر، مما تسبب في تداعيات مريرة، وإنهيارات إجتماعية وأخلاقية وإقتصادية فظيعة، حتى تحوّل الفساد إلى عقيدة جوهرية في مسيرتها الدامية المكللة بالخسران.

وفي هذا إمتهان للديمقراطية، وتشويه لمعالمها وملامحها الإنسانية، وتدمير لآلياتها التي تسعى لتحقيق الرفاهية والأمن والسعادة الوطنية، فالديمقراطية عقيدة إنسانية دينها وربها وكتابها ورسالتها الإنسان، الذي تريد أن تمنحه فرصة التعبير عن إنسانيته ونيل حقوقه، والحفاظ على كرامته ودوره الإيجابي في الحياة.

الديمقراطية لا يجوز حشرها بدين أو حشر الدين فيها، إنها لا تمت بصلة لأية عقيدة أخرى سوى الإنسان، الذي عليه أن يكون عنصرا إيجابيا فعّالا في مسيرة إرساء مشاريعها النافعة للناس أجمعين، وبلا تمييز أو تحيّز وإمتهان.

الديمقراطية ضد الظلم والقهر والعدوان على الإنسان ومسّ حقوقه بسوء، بل أنها تراعي حقوق المخلوقات كافة وبلا إستثناء، لأنها تؤمن بأن الحياة حق للأحياء كافة.

ولا يمكن للديمقراطية أن تترعرع وتكون في مجتمعات جاهلة إقتصاديا ومقعدة إنتاجيا، ولا تفهم في البناء والتطلع للمستقبل، وتنهمك بهدر وجودها وطاقاتها وثرواتها وعقائدها وتأريخها.

الديمقراطية بحاجة إلى عقيدة يوسف النبي المدبّر الحكيم، الذي يبتكر وسائل ومشاريع إطعام الناس غذائيا وروحيا ونفسيا وثقافيا وماديا، لكي يتفاعلوا مع عصرهم، ويطلقوا ما فيهم من قدرات الخلق والإبداع والإبتكار، والوصول إلى أقصى حالات الإنتاج النوعي المتميز.

فالديمقراطية نظام إقتصادي أولا، وعلينا أن نستيقظ وننبذ معوقاتها بأنواعها وأصنافها وضلالاتها وخداعاتها التي تمتهن جوهر الوجود الإنساني، وتفسد في الأرص!!

فهل عندنا ديمقراطية يا أولي الألباب؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم