أقلام حرة

مخاطر الوقوف فقط عند الشعائر

اياد الزهيريصحيح أن طقوس الشعائر التي تجري اليوم في مناسبات مدرسة أهل البيت تتضمن أساليب مستحدثه، بدأت ممارستها منذ زمن غير بعيد، ولكن لا مثلبه عليها مادامت تجري في سياقات وطرق معقوله ومتزنه، ولا تتجاوز حدود الشريعه، ولا الذوق العام. هذه الطقوس أصبحت جزء لا يتجزء من تراث وتقاليد وفلكلور مجتمعنا، ونحن لا نشمل في ذلك ما أستحدث من ممارسات في السنوات الأخيره، وبعضها مر عليها مده ليست بالقصيره. وهي ممارسات لا يقبل بها الشرع ولا المنطق، حتى أنها غريبه على العرف العام، كضرب الرأس بالسيوف، والتطين، والمشي على الجمر والزجاج، وغيرها من الممارسات التي تنافي المنطق، بل وتسيء حتى للأئمه (ع) أصحاب المناسبه . من الملاحظ أن للطقوس العاشورائيه جاذبيه وعشق، ورغبه جامحه في الأوساط الشعبيه، حتى أصبحت جزء لا يتجزء من حياتهم، وعلامه مميزه للطائفه الشيعيه في كل مكان من العالم . هذه الطقوس تحمل في طياتها الكثير من الممارسات الفلكلوريه التي ينزع الأنسان الى ممارساتها لأغراض منها ما هو أظهار الأحترام والتبجيل للمقدس، ومنها ما يتضمن معنى الترويح والمتعه النفسيه والروحيه، حيث يحس بها الأنسان بأحساس السعاده واللذه النفسيه والتي يتم من خلالها تفريغ الكثير من الشحنات السالبه الي تكتنف نفس الأنسان، والتفريج عن مشاعر الأزمه التي تخنق عليه حياته، وهي بنفس الوقت مقدمه رائعه للعباده، فهي ليست بعباده، وأنما هي ممهده للعباده والأيمان بما تجلبه من مشاعر وروحيه تدفع بممارسها الى حاله من التفاعل والتعشق مع أفكار ومتبنيات صاحب المناسبه، وتجعله يتبنى أهدافه وطريقة حياته، حتى أني أستطيع أن أمثلها بالطاقه التي تدفع ممارسيها والعاشيقن لها بأتجاه أبواب المساجد، وتجعلهم يقفون على أعتابها، ولكن من الخطأ المراوحه والوقوف على الأعتاب وعدم الولوج الى داخلها، بل ينبغي أن توظف بالدفع الى داخلها الى حيث عبادة الله وهو الهدف لمن أقيمت له هذه الشعائر.

أستطيع أن أمثل حالة الشعائر بشكل عام والحسينيه بشكل خاص بنفس عملية تجويد القرآن الكريم . فالقرآن له كلمات، وهذه لها ألفاظ، ولكن وراء هذه الألفاظ معاني ومقاصد، وهي المقصوده الأساس من نزوله لأهل الأرض. فالله سبحانه وتعالى لم ينزله للأستعراض الفني في التجويد والترتيل، وهذه بطبيعتها لها وظيفه جماليه وأحيانآ دلاليه،  وتبقى هذه ليست الأصل في عملية التنزيل. ولكن من المؤسف نلمس ونشاهد أن هناك أهتمام متزايد بفن القراءه أكثر من التمعن بالمعاني ومقاصد القرآن الكريم، وهذه عملية تفريغ وزيغ عن المقاصد الحقيقيه والأهداف الربانيه للقرآن الكريم . فالتجويد فن رائع لكن من غير الرائع هو الوقوف عند فن الصوت ومغادرة المعنى. هكذا هو الأمر مع الشعائر الحسينيه، هي مراسيم جميله وتبعث في النفس الراحه والتشوق، ولكن التمركز عليها والوقوف فقط عندها هو المقتل لها، وهو تفريغ لمحتواها، وتحويلها الى فلكلور من فلكلورات الشعوب، والتي قد يصيبها الأندثار ويعتريها الوهن مع الزمن أذا فقدت روحها، عندما تتحول فقط الى حركات ونشاطات تمارس من قبل ممارسيها.

كما أن الصوت الجميل لقارئ القرأن يجعل السامع يحلق في الملكوت السماوي، ويأخذك بعيدآ في أفاق الخلائق، كذلك هو الحال مع الشعائر الحسينيه، حيث تأخذك الممارسه الجميله والراقيه الى صاحب القضيه، الحسين ع وبالتالي تنقلك الى أهدافه الساميه، ومقاصده الأصلاحيه والتي صرح عنها (أني لم أخرج أشرآ ولا بطرآ وأنما خرجت لأصلاح أمة جدي محمد) أنها الأصلاح، والأخلاق، وعبادة الله. من هنا يتبين أن الشعائر سوف يصيبها الصدأ أن لم تسير قدمآ لأهدافها التي وضعت لها . وأن الوقوف على سطوح الظواهر، سوف يفقدها رونقها، وحيويتها، وأن السير الى جوهرها هو ما يحيها ويكتب لها الخلود.

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم