أقلام حرة

حُجُبُ الإدراك!!

صادق السامرائيالمخلوقات موجودات ذات قدرات مرهونة بآليات بقائية تحتم عليها الوعي في دوائر متفقة وما تقتضيه مصالحها البقائية، ولا يمكنها الخروج من تلك الدوائر المغلقة لأنها ستتعارض وقدراتها على التواصل في الحياة.

وهذا ينطبق على البشر كموجود تقدم على المخلوقات الأخرى، وتحرك في دوائر إدراكية أكبر من دوائرها، ووعى ما لا تعيه وتعرفه من أسرار وقوانين الحياة، التي يشترك بها مع باقي المخلوقات المتنوعة بأحجامها وأشكالها، لكنها جميعا وبلا إستثناء تمتلك ما نسميه العقل.

هذا العقل الذي نجهل تعريفه الدقيق ولا يمكننا أن نراه أو نتلمسه ونحسه، لكننا نجد الكثير مما يشير إليه وفقا لقدرات مداركنا وقابليات أحاسيسنا، فأصغر خلية في المخلوقات ذات عقل يتناسب وما يعينها على التفاعل البقائي مع ما حولها، وأكبر المخلوقات يمتلك عقلا متفقا مع مقتضيات حياته، فالعقل هو الطاقة الفاعلة في المخلوق للمساهمة بالحفاظ على وجوده أطول ما يمكن.

أي أن العقل نابع من حاجة المخلوق للتواصل والتفاعل مع محيطه، وما فيه من الطاقات والرغبات والدوافع والنوازع والتطلعات.

وعندما نتساءل عن مكان العقل وموطنه، يمكن القول بأن الدماغ هو بيت العقل، والذي لا دماغ له لا عقل له، وهذا واضح في المخلوقات المصابة بآفات دماغية، وفي الولادات المعوقة حيث الدماغ العليل الذي يؤدي إلى ضعف القدرات العقلية والمهارات التفاعلية مع المحيط.

ففي الدماغ آليات لتأليف أو تكوين الدوائر العُصيبية ذات النشاط الكهرومغناطيسي، الذي يمكن قياسه وتحديد نشاطاته الكهربائية وأمواجه التفاعلية، وهذه الدوائر هي المُستقبلات الحية للأفكار المبثوثة في فضاء الوجود المطلق.

فالفضاء الكوني يحتشد بالأفكار وتزدحم فيه إرادات التعبير عنها، وكلما تمكّنت دائرة عُصيبية من بلوغ درجة النشاط القصوى الكفيلة بإلتقاط الفكرة المتفقة معها، فأنها تبدأ بالتعبير عنها وفقا لقدرات المخلوق الذي إستطاع إلتقاطها، وبعضهم يعجز عن التعبير عنها وبذلك يكون ضحية للفكرة التي تقضي عليه أو تأخذه إلى متاهات فنائية مروّعة.

فالعقل في حقيقته عبارة عن مجال كهرومغناطيسي يحيط برؤوس المخلوقات، ولديه القدرة على إستقبال الأفكار من الفضاء الذي هو فيه، ويسعى الدماغ المتصل به إلى توظيفها وتحويلها إلى ما يساهم في التعبير الأمثل عنها.

وهذه الحالة الوصفية والتشريحية للعقل، تشير إلى أن المخلوقات ذات قدرات محدودة وهي عاجزة عن وعي كافة الأفكار وإستحضارها، وإنما كل دماغ يمكنه أن يعي ما يستطيعه منها، مما يعني أن الأدمغة البشرية ذات عقول متباينة، وأنها ترى بآليات مختلفة، ولا يمكنها أن تتشابه، وما بصمات الأصابع إلا تأكيد على أن الأدمغة البشرية لا يمكنها أن تتماثل مما ينجم عنها عقول لا تتطابق، وهذا يعني أن المخلوقات بأنواعها ترى وفقا لما تستطيع أن تراه، ولا ترى الحالة كما هي، وإنما كما تستطيع أن تراها وتستوعبها.

وعليه فأن المخلوقات قاطبة ذات محجوبية متفاوتة ومتناسبة مع قدرات أدمغتها في إستحضار ما يمكنها أن تعيه من الفضاء الكوني الذي هي فيه.

فلا تقل أدري وقل أريد أن أدري ما أستطيع، وأن أتعلم وأعلم ما أستطيع، فلا يوجد مَن يعرف ومَن يدري، وإنما ذلك حالة نسبية ذات محدودية متوافقة مع قدرات الدماغ ودوائره، التي تخلّقت وتفاعلت مع الأفكار الدوّارة الباحثة عن رحم وليد.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم