أقلام حرة

مصر وتوالد الثورات!!

صادق السامرائيفي 25\1\2012، كتبت مقالة بعنوان "الثورة المصرية" وقد نُشِرَت في "صحيفة المثقف"، ومواقع وصحف عربية أخرى.  وهذا نصها:

" الثورة المصرية!!

ثورة شبابية عفوية شعبية منبثقة من أعماق المجتمع المصري، أطلقت ما فيه من الإرادات  والتطلعات الجماهيرية الإنسانية،التي حركتها عوامل الظلم والقهر والحرمان والفاقة، والشعور باليأس والإحباط والركود، وعدم التعامل المعاصر مع الحياة.

ثورة نابعة من القلب والروح والعقل والضمير، والأمل والإرادة الحرة الكريمة، أطلق جذوتها وقادها ونفذها وأنجزها الشباب الواعد، بإتقان وقدرة ثورية نادرة ألهمت الإنسان في كل مكان.

فسقطت رموز النظام، وتحققت إنجازات ذات قيمة ديمقراطية في السنة الأولى للثورة، لكن القوى الأخرى ترى أن الثورة لم تحدث التغيير، أو أنها لا يمكن تسميتها بالثورة وإنما بالإنتفاضة أوالحدث، وهم يذهبون في ذلك، مذهب النظرة الضيقة اللامعاصرة، ويريدون من الثورة أن تبيد جميع رموز النظام وتلغي وجودهم، وكأنهم ليسوا من أبناء الشعب، وهذا فهم عتيق للثورة.

إن الثورة المصرية ثورة أصيلة وحقيقية، لأنها أحدثت تغييرا جذريا وجوهريا في  أعماق الإنسان المصري بلا إستثناء، حتى في أعماق رموز النظام السابق الذين يخضعون للمحاكمة، لأنها أيقظتهم  من غفلتهم، وما سلوك الرئيس المصري السابق، إلا دليل على  هذه اليقظة التي زعزعت كيانه.

إن أهم ما يجب أن تنجزه الثورة، هو ليس تغيير الوجوه والأشخاص، وإنما الذهنية وآليات التفكير والتصور.

والثورة حطمت حواجز الخوف، وأوقدت الثقة في أعماق النفوس، ومنحت الأمل، وأكدت الإرادة الإنسانية الحية الفاعلة في الحياة.

وأنها أثبتت بأن الشعب إذا أراد فأنه يصنع الحياة وينطلق نحو المستقبل.

والثوة لم تفجّرها الأحزاب الدينية أو العلمانية  أو غيرها، إنما الشعب المصري بكافة أطيافه وتوجهاته ، وتحولت إلى وعاء جامع للشعب، وأكدت وحدته وقوته وسلوكه الحضاري الرائع.

هذه الثورة حقيقية مصرية عربية إنسانية شعبية، لا يمكن النيل منها أو وصفها بغير ذلك.

وكأي ثورة أو حركة تغيير في الزمن المعاصر، يكون للعامل الإقتصادي دوره الكبير فيها، فالثورة المصرية تأججت بسبب الجوع والحاجة والفاقة والظلم والفساد.

ولكي يتم الإنتصار على هذه العوامل والظواهر، لابد من العمل الخلاق والإعتماد على القدرات الوطنية.

فالقوة الإقتصادية يصنعها الشعب الذي يجدّ ويجتهد، ويحقق ما يريده من حاجات وتطلعات، ولا يمكن للشعب أن يتطور إقتصاديا، إن لم يعتمد على نفسه، ويستثمر ما عنده من القدرات والمواد الأولية.

ومصر التي حققت الثورة، يمكنها أن تبني إقتصادها القوي والمؤثر في الحياة المصرية والعربية، ويمكنها أن تكون الدولة العربية الصناعية الأولى، فثورتها الصناعية التي بدأها جمال عبد الناصر، ودمرها الذين جاؤوا من بعده، يمكنها أن تستعيد زخمها ودورها .

وبما أن الأحزاب الدينية قد هيمنت على البرلمان المصري المنتخب، فأن عليها  لكي تنجح أن تعي حقيقة التحدي الإقتصادي، وتعمل بكل طاقاتها كفريق واحد من أجل التنمية، والتأكيد على الثورة الصناعية والزراعية.

وإن لم يتحقق ذلك، فأن الثورة ستلد ثورة أخرى وأخرى!!

فهل ستعي التحدي الإقتصادي الأكبر، وتحقق الإنتصار الإقتصادي المصري الجديد.

فالثورة الحقيقية المعاصرة هي ثورة إقتصادية أولا!!"

وبعد الثورة المصرية الثانية، عدت إلى ما كتبته عن مصر فوجدت الإستنتاج بأن الثورة ستلد ثورة أخرى، إن لم تدرك القيادة التي تسلمت السلطة، المفردات الأساسية التي صنعت الثورة، وتعمل بجد وإجتهاد وحيوية وطاقة فوارة لتحقيقها، لأنها ثورة شبابية بكل معنى الكلمة، ولا يمكنها أن تُقاد بمن لا يمتلكون أو يعرفون معنى روح الشباب المعاصر، والجيل المتوقد المتفاعل مع المتغيرات والتطورات الحاصلة في العالم من حوله، والذي صار فعّالا عبر وسائل التواصل الإجتماعي المعروفة.

ووفقا لتلك الرؤية، فأن سقوط الرئيس المصري، كان نتيجة حتمية، لعدم قدرته وحزبه على التفاعل الواعي مع المستجدات والمتطلبات التي يفرضها العصر، ويحملها الشباب، فكانت السلوكيات العقائدية والسلطوية البحتة، ذات دور كبير في صناعة إرادة الرفض، والشعور بالمصادرة والإستحواذ على تطلعات وآمال جماهيرية حيوية، من قبل آليات وعقليات ذات توجهات نفقية، أو خارجة عن مفردات العصر وآليات تفاعلاته مع الحياة.

وقد لعبت قلة الخبرة في الحكم دورها الأكبر، خصوصا عندما ترافقت بالرغبة المكبوتة والمنفجرة للإمساك بالحكم، وبشتى الوسائل والتفاعلات.

فكانت السلطة هدفا، أكثر من الوطن والمستقبل والتنمية الإقتصادية والحرية الفكرية والثقافية.

وكما هو معروف فأن الأحزاب الدينية، لا ترى إلا ما تراه، ولا يمكنها أن تقبل بالرأي الآخر عمليا، ولا تعرف التمييز ما بين السياسة والعقيدة، وإنما هي غير مطاوعة، ولا تعرف المرونة، والتواصل السياسي مع الآخرين، بقدر ما تتصرف وفقا لمنهجها الذي من جوهر فحواه "طريقي أو لا طريق".

وقد أدى هذا السلوك بتراكمات نتائجه السلبية، إلى تأزيم المواقف، وتأجيج المشاعر المناهضة لهم، وتفجير الطاقات والقدرات التي تبحث عن آليات لتحقيقها، وما رافق ذلك من إحباطات وتخبطات، وقرارات إرتجالية، وحتى في آخر خطاب له، كان الرئيس يتكلم مرتجلا، مما أشار إلى أن الجهل السياسي هو السائد عند القوى التي كانت في السلطة.

ومثلما إنتهت جميع الأحزاب العقائدية، لتوحلها بأوهامها العقائدية، كذلك حصل للحزب الذي حكم مصر لعام شديد، ويحصل لأحزاب أخرى في دول مبتلاة بالأحزاب الدينية، لكن الفرق بينها وبين مصر، أن الشعب المصري أكثر حيوية وجرأة وثورة منها، وأن في مصر مؤسسة عسكرية وطنية قوية تقف مع الشعب.

تحية لشعب مصر في ثورته المباركة، وحريته المناهضة للتفرد بالحكم والقرار، والتي تأبى أن تكون الديمقراطية قناعا ووسيلة للإستئثار بالقوة والسلطة.

وأعود اليوم إلى ذات المقال متسائلا: هل غيّرت الثورة الأفهام؟

وأجد الجواب واضحا بكلا!!

فلماذا لا زلنا لا نستوعب معنى التغيير ومهارات تحقيق ما نريد؟!!

وكيف  يتحقق ما يعيق مسيرة تنموية غير مسبوقة في المنطقة، وهي في ذروة إنجازاتها وإستثماراتها الواعدة بمستقبل كبير؟!!

وهل عجز المثقفون والإعلاميون والمفكرون والفلاسفة عن بناء رؤية حضارية تستوعب إرادة الحاضر والمستقبل؟!!

أترك للأخوة المصرين الإجابة والتحليل وتقديم ما هو مفيد!!

أللهم إحفظ مصر فإنها روح الأمة وقلبها النابض بالحياة والأمل، وعندما تحيا مصر تحيا الأمة!!

والغاية أن نعرف الحقيقة السلوكية التي تؤدي إلى توالد المترادفات!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم