أقلام حرة

الرؤوس المقدّسة!!

صادق السامرائيالسائد في مجتمعاتنا أنها تميل إلى صناعة المقدّس في ميادين الحياة المتنوعة، من الدينية إلى السياسية وغيرها من التفاعلات القائمة فوق التراب.

فلكل ميدان مُقدّس يتحكم فيه، وتكون كلمته هي العليا، وقوله الفصل في الأمر.

وهذا ينطلق في التخصصات العلمية والمعرفية والأدبية، وما شئت من التفرعات الأخرى الفاعلة في مسيرة الأيام.

وقد وصل الحال فينا إلى تقديس الكراسي، بل أن الكرسي صار الرمز الأقوى للمقدّس المقتدر المؤثر الذي تخضع له الرقاب، وتدين الناس بما يرى، فقوله أمر ورأيه عقيدة وقانون، وهو الدستور، ولا يمكن لقانون أن يقترب منه، فهو فوق القانون.

نعم كل كرسي في منهجنا التصوري فوق القانون، فكيف به عندما يكون الكرسي الأول والأقوى؟

ويمكننا أن نأتي بأمثلة كثيرة كل من حقل إختصاصه عن المقدّسين الذين لا يمكن الإقتراب من منهم أو مساءلتهم، لأن ما يقولونه يكون سيد الأقوال، وما يرونه أبو الآراء ومصدرها، وهذه علة فاعلة ومدمرة لوجودنا الإنساني والحضاري.

ذات مرة توهمت بأني سأعمل مع أستاذي المقدّس في نفس القسم، وإذا به يزمجر بوجهي ويكشر عن أنياب قدسيته ومخالب نرجسيته، وأنا وسط دهشتي وحيرتي.

وقبلها كنت طالبا في الكلية، وأثناء الجولة السريرية، وجدت الأستاذ المقدّس يأخذني جانبا إلى غرفته، وهو ينتفض أمامي على أني خدشت قدسيته وعظمته بوقفتي المتحدية، وما عرفت لإدعائه جوابا، ولا فهمت ما يعنيه إلا بعد أعوام.

لقد ترعرعنا على مناهج الموجودات المقدّسة، وخصوصا الأموات منها، ومضينا نتعثر بالمقدّسات، حتى شجرة "النبق" كانت مقدّسة، وغيرها الكثير من الموجودات التي نضع على رأسها تيجان التقديس، ولا نعرف إلا أن نذعن لها ونتبع ما ينسب إليها من التصورات والخرافات.

فالكثير من الحالات في مجتمعاتنا مقدّسة ومعظّمة إلا الإنسان فأنه مقزّم ومقهور ومحذوف من حسابات كينونتنا التي تقدّس كل بهتان مبين.

فهل يمكننا أن نزعزع إرادة المقدّس الذي يستعبدنا، ونؤمن بإرادتنا الحرة المنوّرة بتفاعل عقولنا الواعية المتطلعة إلى صناعة الحياة؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم