أقلام حرة

الأدمغة المبرمجة والأوهام الممنهجة!!

صادق السامرائييجب أن يُدركَ كل ذي عقيدة ومذهب وعاهة فكرية تتوطنه وتستلب لبه وتستعبده بالكامل، عليه أن لا يحاول ويتجرّأ ويناقش غيره عمّا فيه ويحويه، ذلك أن لكل مُسْتَعبدٍ بشيئ ترس عاطفي إنفعالي سميك لا يمكن إختراقه أبدا، وأية محاولة للإحتكاك بهذا الترس تتسب بإطلاق شرارات وإذكاء نيران.

والحل الأمثل للجميع أن يمضي كل منهم في ترسه ويسعى في الأرض من أجل الخير والصلاح، وأن لا يحاول التحرش أو المساس بأترسة غيره.

بمعنى أن لكل معتقدٍ حواجز وخنادق دفاعية عاطفية حامية يستحيل على الآخر أن يخترقها ويتفاعل معها بعقل ومنطق، فالإعتقاد حالة غير منطقية ولا عقلية، وإنما نفسية ذات قدرات إنفعالية مطلقة.

ويبدو أنها حاجة بقائية تستوجب من البشر أن يتقوْلبوا في قالب رؤيوي تصوّري يشيّد عمارتهم النفسية الإدراكية، ويضبط سلوكهم وفقا لإيقاع جماعي يوفر لهم الشعور بالأمان والإنتماء إلى حشد أكبر من البشر، فتسري مشاعر الطمأنينة والسكينة في دنياهم التائهة الخائفة المرعوبة من مسيرة عنوانها الحياة ذات خاتمة معهودة.

أي أن زعزعة الكيان الإعتقادي للبشر يتسبب بحالة رعب شديد، ولكي يتوقى من السقوط في حفرة المجهول المخيف، لابد له أن يتمسك بما يحقق فيه الإستقرار النفسي ويمنحه تصور المعرفة والتيقن والسلوك الواجب المتكرر، ذلك أن التكرار يبني في الأدمغة تواصلات عُصيبية ذات مردودات سلوكية متوافقة معها، ومعطيات هرمونية وإنفعالية تتنامى مع سلوك التكرار، ولهذا فأن الشحنات العاطفية المتصلة بأية فكرة تتسيّد على الأدمغة، وتسخِّر العقل لتبرير صلادتها وتعزيزها والإمعان بمتانتها وسدّ ثقوب إختراقها، وإحاطتها بمجالات كهربائية صاعقة تردي المقترب منها.

ويمكن تشبيه حالة صاحب أية فكرة إعتقادية، كخلية الزنابير، ما أن تقترب منها حتى تعصف بك زوبعة زنبورية يتسابق مَن فيها على اللسع المتواصل العنيد.

فهل يمكن مد اليد بأمان إلى خلية الزنابير، إن تمكنا من ذلك، وإستطعنا التآلف مع الزنابير التي إقتحمنا خليتها، فعندها يصح القول بأننا يمكننا الإقتراب من صاحب أي معتقد وفكرة دون أن تتفجر بوجهنا براكينه الإنفعالية فتلقي بحممها الملتهبة علينا؟!!

فدع صاحب أي معتقد ومعتقده، وتعال للعمل سوية ومعا لبناء ما هو صالح للحاضر والمستقبل، وما يضمن الحياة الأفضل للأجيال، ويحمينا من النوازل الغابية وسوء المآل.

وهذا ما تعرفه المجتمعات المتقدمة القوية الآمنة، ففيها جميع معتقدات البشر، وكل منهم ومعتقده، والكل يعمل من أجل الوطن، وفقا لدستور جامع وقانون مانع، فلكلٍ دينه ومعتقده، وللكل وطن مسؤول عن أمنه وسلامته وتطوير الحياة فيه.

فهل سنتحرر من نمطية مناهج سوء المآل؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم