أقلام حرة

أحبُّ الفلسفة ويوجعني الفلاسفة!!

صادق السامرائيترعرعتُ على حب الفلسفة، وقرأت كتبها ولا زلت أقرؤها بالعربية والإنكليزية، وكم رافقني كتاب الأخلاق لأرسطو، ففي أعسر الأوقات كنت أجالسه وأمعن في أفكاره وتصوراته، وكذلك ما كتبه إفلاطون في جمهوريته، وغيرها من الكتب الكثيرة، وتأثرت بالفيلسوف العراقي مدني صالح رحمه الله، الذي جاهد لجعل الفلسفة جماهيرية وقريبة إلى ذهن القارئ البسيط.

وأكتب في الفكر الذي لا يخلو من التأثيرات الفلسفية بحكم القراءات المتراكمة، وأتابع عدد من الفلاسفة العرب، وأتأثر ببعضهم وأنفر من الكثيرين منهم لأنهم يعقّدون الفلسفة، ويقدمونها بأسلوب صعب على الفهم.

وأقرأ الكتابات الفلسفية وأطبعها وأعيد قراءتها ما تيسر لي من وقت، وأقف متحيرا أمام الأساليب التي تُطرح بها الفلسفة في الصحف وعلى صفحات المواقع المتنوعة، وأتسائل أ لم يكن نجيب محفوظ خريج فلسفة، وأنيس منصور كذلك، وأنهما حاولا تقديم الفلسفة بأساليب ذات تأثير في القارئ.

فلماذا لا ينتبه كتاب المقالات الفلسفية إلى أسلوب الكتابة؟!

لكي تقرأ مقالا يجب أن تجد ما يجذبك ويغريك ويقدح في عقلك نورا، والكتابات الفلسفية المتداولة تميل إلى التنفير منها، ومن أول سطورها تشعر بأنها تدفع بك بعيدا عنها، وتدعوك إلى عدم التواصل بقراءتها، مهما كنت من محبي الفلسفة.

وأبحث في المقالات، ولا أنكر أن بعضها يجذبني ويشدني ويدفعني إلى إعادة القراءة والتأمل، لكن أكثرها لا يجدي نفعا ولا يمتلك طعما، ولا يحقق غايته ولا يعبّر عن رسالته التنويرية.

فالفلسفة من أعمدة التنوير المعرفي الحضاري التي تحتاجها الأمة، ويستوجب حضورها الفعّال القادر على زعزعة العقول وتأهيلها، لإكتساب مهارات التساؤل والبحث المنطقي السببي عن الجواب الأصوب والأقدر على التفسير والتحليل والإستنتاج.

ولا بد لها أن تُقدَّم بآليات يمكن هضمها وإستيعابها من قبل القارئ، لا أن تتسبب له بصداع وتبني موقفا سلبيا عنده تجاه الفلسفة.

فكُتّاب الفلسفة ربما يساهمون بإبتعاد الناس عنها، لعدم إمتلاكهم مهارات وأساليب تقديم الفلسفة بلغة قريبة إلى عقولهم وقلوبهم.

فإذا كانت الكتابات الفلسفية تساهم في توجيع رأس مَن يحب الفلسفة وتتسبب بنفوره منها، فكيف بالذين لا يعرفون الفلسفة ولا يريدون الإقتراب منها، لأنها لا تجدي نفعا وفقا لما تجمّع في وعيهم الجمعي؟!!

فهل لنا أن نعيد النظر بأساليب الكتابات الفلسفية ونتعلم الكتابة للناس لا لذوي الإختصاص؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم