أقلام حرة

الطفولةُ والنُضجُ

المِثالُ المَلمُوسُ والمشاهدُ عَن ظاهرةِ الطُفولةِ عندنا هو: مثال "الطُفولة البيولوجية"، ولكنَّنا نَغفلُ عن طفولاتٍ اخرى في حياتِنا منها: الطفولةُ الفِكريَّةُ، والطفولةُ الروحيَّةُ، والطفولةُ السياسيَّة، والطفولةُ الحَضاريَّةُ . وفي مُقابِلِ الطفولةِ البيولوجية، هناك النضجُ البيولوجي، وهذا هو المثال الملموسُ والمشاهدُ عن ظاهرة "النُضج" عندنا، ونغفل عن امثلةٍ اخرى للنضج كالنضج الفكري، والنضج الروحيّ، والنضج السياسي، والنضج الحضاري.

هَل نحنُ ناضجونَ ام مانزالُ في طورِ الطفولةِ؟

من خصائصِ الطُفولةِ البيولوجيَّةِ، أنَّ الانا هو محورُ هذهِ الطُفولةِ، وَمَركزُ استقطابها؛ فالطفلُ يُفَكِّرُ في عالَمِهِ هو، هذا العالَمُ المتمركز حول "ذات الطفل"، الطفل يتحدث عن اشيائهِ، وعن ملكياته، وعن ابيهِ وامّهِ بمنطقه الطفولي الانانيِّ المسجون في سجنِ الذات الذي لايستطيع الخُروجُ منهُ مادامَ طِفلاً.الطفلُ لهُ عالَمُهُ الخاصُّ، ولغتهُ الخاصّةُ، ومفرداتهُ الخاصّةُ.

اذا خرجَ الطِفلُ من سجنِ ذاتِهِ وانانيّتِهِ، فانها تَشَكّلُ الخُطوَةَ الاولى نحو النُضج البيولوجي.وليس هناك تَلازُمٌ بينَ النُضجِ البيولوجيِّ، واشكالِ النُضجِ الاخرى. فقد يكونُ الانسانُ ناضجاً نُضجاً بيولوجيّاً، ولكنه يعيش اشكالاً اخرى من الطفولة من قبيل الطفولة العقليّة والطفولة الروحية، والطفولة السياسيّة، والطفولة الحَضاريّة .

سياسيّونا ناضجونَ نُضجاً بيولوجيّاً، ولكنّهم ليسوا ناضجينَ سياسيّاً طالما انهم يفكرون في ذواتهم وانانياتهم ومصالحهم الشخصية، انهم مسجونونَ داخلَ ذَواتهم، وقابعون في اعماق انانيتهم.وعندما يخرجون من التفكير الضيق في انانياتهم ومصالحهم الشخصيّة، فهذهِ تُشَكِّلُ الخطوةَ الاولى باتجاهِ النضج السياسي.سياسيوا العالم المتقدم، يختلفون في الرؤى والتوجهات، ولكنهم في القضايا الكبرى والمصيرية التي تمس اوطانهم واممهم يتوحدون، ويتناسون كلَّ خلافٍ ؛ لانهم ناضجونَ سياسيّاً.

تبدأ حياة الحشرة بطفولة بيولوجيّةٍ، بيرقَةٍ، وهذه اليرقة تَلُفُها شَرنَقَةٌ، هي مسجونةٌ بهذهِ الشرنقة ؛ لانها تعيش في طورِ الطفولةِ البيولوجيِّ، ولكنها حينما تخرجُ من هذا الطور الطفولي البيولوجي، وتمزقُ شَرنَقَتَها، فانها تكونُ قد عبرت طور الطفولة الى طور النضج والاكتمال " طور الفراشة" .

نحنُ نأتي الى هذا العالَمِ، تحيطُ بنا شرانقُ متعددةُ ؛ تُبقينا اطفالاً في تفكيرنا وعقلياتنا، ومن يمتلك الارادةَ هو الذي يُمزقُ هذهِ الشرانقَ، ليَخرُجَ من طفولتهِ الى عوالمِ النضج العقلية والروحيّة والنفسيّة .

هل شعوبنا ناضجة ام ماتزال في طور الطفولة؟

شعوبُنا الاسلاميّة من "طنجة الى جاكارتا" حسب تعبير المفكر الجزائري الراحل "مالك بن نبي"، هل هي شعوبٌ ناضجةٌ ام ماتزال في طور الطفولة؟

حينما نجدُ اكوامَ القمامةِ تغطي شوارِعَنا، فهذ علامة على الطفولةِ الحضارية، وفي الوقتِ نفسهِ نجدُ شعوباً اخرى، شوراعها نظيفة، ومواطنوها يضعون القمامة في صناديق خاصة بها، ويحرصونَ على سلامة شوارعهم ... فانَّ هذا مؤشرٌ على النضج الحضاريِّ.

حينما يخرج مواطنونا في تظاهرات، وليس لديهم مطالب محددة، ولاوضوح في الرؤية، ولايفرقون بينَ النظام العام الذي يجب الحرص عليها، والنظام السياسي الذي يعارض لاخطائه وفساده، وليس معارضة من اجل المعارضة . حين يسمحون للموتورين والاعداء ان يركبوا موجة تظاهراتهم، فهذا يعبّرُ عن طفولةٍ سياسيّةٍ في طرح المطالب.. وبالمقابل حينما ترد الحكومة بالرصاص على المتظاهرين السلميين، ولاتتفهم مطالبهم، ولاتفتح قنوات للحوار معهم ؛ فانّ ذلك يعبّرُ عن طفولةٍ سياسيّة لدى حكوماتنا في التعامل مع مطالبِ شعوبها.

وحينما تطرح المعارضة السياسيّة خطاباً سياسيّاً طائفياً تحريضياً، وتثير الفتنةَ بين صفوفِ الشعب؛ فان هذهِ المعارضةَ تعيش طفولةً سياسيّةً .

الحل لكلِّ مشكلاتنا وامراضنا، هو ان نعبر من طفولتنا وانانيتنا الى افاق النضج الرحبة التي تمكننا من حلِ مشكلاتنا بطريقة الناضجين .

 

زعيم الخير الله

 

في المثقف اليوم