أقلام حرة

مَن المسؤول؟!!

صادق السامرائيالمجتمعات الحية عليها أن تواجه نفسها وتتأمل ذاتها وموضوعها، وتطرح الأسئلة الجريئة وتتحمل المسؤولية في البحث عن الأجوبة.

ترى مَن المسؤول عما جرى وحصل؟

العديد من التحليلات ووجهات النظر المتوجة بهوّ قد نُشِرَت، وما إقتربت من بيت القصيد، ولا وضعت الإصبع على الجرح، وإنما ذهبت نحو ما يبرر ويسوّغ ووفقا لآليات حِب واكتب واكره واكتب.

ولو راجعنا ما كُتِب منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم، لوجدناه يعزف على ذات المنوال، والواقع يمضي من سيئ إلى أسوأ، ومن وجعٍ إلى أوْجع، والعامل المشترك في معظم الطروحات إلقاء اللوم على الآخر وتنزيه النفس من الخلل أو المسؤولية.

ولو عدنا إلى الخطابات بأنواعها منذ ذلك الحين وحتى اليوم لوجدناها تخلو من التأكيد على القيم الوطنية والوطن والمواطنة وحقوق الإنسان الأساسية، فالسائد فيها الفئوية والطائفية والتخندق في كينونات تأبى أن تسمي نفسها عراقية.

وعندما نقول مَن المسؤول؟

سيأتيك الجواب هوّ، وقد تعددت هوَّ وصارت إتهامات متبادلة وتفاعلات تصارعية مهلكة، أدّت إلى تشرذم الكيان الوطني وإرتمائه بأحضان الآخرين المهتمين بمصالحهم. 

فعلينا أن نكون صادقين وواضحين في الجواب، فالمسؤول جميعنا أينما كنا، وتقع المسؤولية الأكبر على ذوي العمائم وحملة الأقلام، والمثقفين والمفكرين، فالجميع لم يكن بمستوى الوطن، ولا أسهم في صناعة القائد الذي هو بحجمه.

ففي السنوات الستة عشر الماضية الوطن مجهول في الوعي الجمعي، ولا تنطق به رموز الكراسي، ولو ألقينا نظرة متفحصة على ما يُطرح في وسائل الإعلام بأنواعها لتبين لنا غياب كلمة الوطن.

أي أن الواقع قد أوجد حالة سرابية وكينونة هلامية، أصابت الأجيال الجديدة بصدمة حضارية مروعة، أفهمتهم بأن الذي يحصل لا يمكنه أن يتوافق وإيقاع الحياة المعاصرة المزدهرة في أرجاء المعمورة إلا في بلادهم المقهور بحكومات تنكره كوطن.

فما هي الرؤية وآليات التفاعل الوطني التي أوجدناها؟

لا يوجد ما يساهم في صناعة الحياة، ولا يتحقق في واقعنا النفسي والبيئي أي دليل على أننا تفاعلنا وفقا لمعطيات العصر، بل أمعنا في التعاصص وفقا لما يُسمى بالمحاصصة التي ألغت وجود الوطن وحولته إلى فئويات ومذهبيات وطائفيات.

أي أننا أمضينا أكثر من عقد ونصف في الضلال والبهتان وتبديد الطاقات وهدر القدرات، فماذا ننتظر من الأجيال التي تريد أن تكون، وأجيالنا تقف بوجهها كسدود عثرات وبواعث مرارات.

إن من الواجب الوطني الإعتراف بالمسؤولية كل في موقعه، والعمل على مراجعة الذات ومحاسبتها، والتحلي بالقيم الوطنية والإنسانية اللازمة لبناء الوجود العزيز المقتدر.

ومَن يرمي بالمسؤولية على الآخرين فهو من الجاهلين!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم