أقلام حرة

أجيالٌ تبتلعُ أجيالا!!

صادق السامرائيالمعضلة الكبرى الفاعلة في واقع المجتمعات المتأخرة، أنها تؤسس لأجيال حيتانية الطباع تسعى لإبتلاع ما يليها من أجيال، فتستأثر بكل شيئ وتحرمها من كل شيئ.

وفي واقع العديد من مجتمعاتنا عاشت الأجيال في محنة الأجيال الحيتانية، التي لا تسمح لها بالتعبير عن إرادة الحياة الكامنة فيها، وتكون هي صاحبة الأمر والنهي والتعبير عما فيها من الرغبات المفلوتة والتطلعات العاهوية المقيتة، وعلى الأجيال المستعبَدة بها أن تكون مرهونة بإرادتها ومترجمة لرغباتها، وما تريده من أهداف لا تخدم البلاد والعباد.

فتجدنا أمام مآسي متواليات التداعيات السلبية الخسرانية المتكررة العاصفة في الأجيال، والمؤدية إلى مزيد من الإتلاف الذاتي والموضوعي.

وفي حقيقتها تمثل محنة عاصفة في الواقع ومدمرة لخطوات الإنطلاق نحو آفاق ذات قيمة وطنية وإنسانية مساهمة في بناء الحياة الأفضل، أي أن الأجيال تفقد قدرات العطاء الأصيل، وتندحر في مسارات التبعية والدونية والتعطيل الشامل للعقل والوعي الفردي والجمعي.

وتسهم بهذا السلوك الحكومات المتعاقبة لأنها تحسب أنها قد قبضت على غنيمة، وعليها أن تحرسها وتذود عنها كما تذود الذئاب عن فرائسها، وتمنع وحوش الغاب الأخرى من سرقتها منها.

فالتفاعل ما بين الأجيال في هذه الحالة يكون إفتراسيا وعدوانيا،  ولا يقبل الحوار أو التفاعل السلمي، وإنما تكون الأجيال الحيتانية متأهبة دوما وأصابعها على الزناد، ولا تعرف الهوادة فيما تذهب إليه، لأنه موضوع حياة أو موت، ولهذا تصل إلى نهايتها المحتومة، وتُزاح من قبل جيل آخر يمارس ذات السلوكيات العقيمة، وهكذا دواليك.

وتلك معضلة تفتك بالمجتمعات المتأخرة التي تفرّغَ وعيها من الوطنية والحرص على المصالح المشتركة، وأصبحت تمارس سلوكيات خارجة عن العصر، وأكثرها إتخذت من الدين وشاحا وقناعا لكي تبرر مفاسدها وآثامها وخطاياها، فالدين حمّال أوجه ويمكنه أن يبرر ما هو فاسد ويجد له مخرجا، وتسويغا يحث الفاعل على المزيد من تكرار المآثم والخطايا بإسم الدين.

ولكي تتحرر الأجيال من هذه السلبية المدمرة، عليها ان تعمل على إيجاد دستور يحمي المواطنين، ويوفر لهم الفرصة الكفيلة بالتعبير عمّا فيهم من الطاقات والقدرات الإبداعية والعطاءات الأصيلة التي تصنع مستقبلا أفضل وحاضرا أزهر.

ولن تقوم قائمة للمجتمعات الخالية من الدستور، والمرهونة بالتحزبات والفئويات والتفاعلات العدوانية الموشحة بدين.

فهل من دستور قويم؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم