أقلام حرة

شباب العراق يكسرون القيد.. إنهم أحرار

علي المرهجقبل قليل عدت من ساحة التحرير التي يتوافد عليها الشباب وبعض الرجال الكبار بالعمر والنساء والفتيات برفقة الأقارب.

الاجواء ايجاببة احتفائية أشبه بالكرنفال وتضامن إنساني ووطني رائع بين رجال الأمن والجماهير، وقد وجدت الصديق الحبيب منتظر ناصر رئيس تحرير صحيفة (العالم الجديد) فلم نرغب لا هو ولا أنا بتصوير أنفسنا كمتظاهرين لأننا جئنا لتدوين الظاهرة ومساندة الجمع..

الستوتات ودراجات الشباب تفعل فعلها الثوري والإصلاحي

في نقل المتظاهرين الذين يرفعون العلم العراقي، ويرقصون على نغم الأغاني الوطنية والحماسية، وقد شاهدت بعض سيارات الحمل الخدمية تحمل صناديق المياه لتوزيعها على المتظاهرين، وهناك بعض الخيم التي نُصبت قرب ساحة التحرير، والشباب يتوافدون مجاميعاً يهتفون بحب الوطن ورفضهم لأحزاب السلطة وساساتها، يهتفون ضد الفساد بأهازيج حماسية مثل:

(احنا أولاد العباس ما بخوفنه القناص).

أو..

(الصوت صوتك يا وطن ما يعله صوت..

ما تخوفنه السياسة كلمن بيومه يموت)

و...

(الما يتظاهر خل يلبس شيله)..

و أهزوجة كانت لها صدى في المظاهرة السابقة:

(إيران بره بره...بغداد تبقه حره)

ملاحظة: الشيلة لباس لغطاء الرأس ترتديه المرأة العراقية الصابرة المحتشمة التي ترابط في البيت ولكنها تستعين بأولادها ليُعبروا عنها لأنهم صوتها وصمتها والناطقون العارفون بفجيعتها وخذلان ساستنا لها...

طبعاً آني مساند لمطالب الشباب لأنهم أصل الفعل وجوهره، وما أنا ومن بعمري سوى حالمين بمستقبل أفضل لهم، فنحن أعراض لا جواهر بتعبير أهل الفلسفة، ولا أحتاج لنشر صورة ليّ وسط المتظاهرين لأنني لست بطلاً، لأن الشباب همُ الأبطال حقاً، وقد شاء القدر أن يكون بيتي قريباً من ساحة التحرير بمسافة لا تتجاوز الكيلو متر الواحد.

نظرت لأولادي وأنعمت النظر في الوجوه الشاحبة لهؤلاء المتظاهرين التي يعتريها الأمل في التغيير من فتيان يعتلون صهوة الستوتات والدراجات وكأنهم فرسان من فرسان الحروب القديمة لا يرتضون بالعودة مخذولين، فإما الشهادة أو النصر!.

يُجيدون التزمير ونثر الفرح ولكنهم لا يُتقنون تزويق الكلام وتجميله بقدر ما يُحسنون التعبير عن مأساتهم فعلاً لا قولاً.

وعدت فنظرت في وجوه أولادي الذين هم بأعمارهم، ورغم أنني من أصحاب الدخل الجيد، لكنني نظرت لمستقبل أولادي، فساءلت نفسي هل سيكون مصير أبنائي كمصير هؤلاء الصبية؟.

وبعد تأمل في سابق الأحداث وحاضرها تيقنت في حال وجود حكومة فاسدة مثل هذه وساباقتها وساسة أفسد وأحزاب الخراب هذه سيؤول مصيرهم لذات المآل هذا...

إذن دعمي لهم لا يعني فقط إيماني بمطالبهم الحقة، بل لأنني نفعي، عرفت أن مصلحة الفرد لا تكتمل إلا بتحقيق المصلحة العامة، فتوصلت لنتيجة مفادها:

أن بناء وطن تكون أنت المستفيد الوحيد فيه سيكون مصيره الخراب.

إذن أنا أحلم وأعمل على أن يكون الوطن خال من الفساد لتحقيق مصلحة ذاتية لا لأنني أحب الوطن فقط وأحمل رؤى وأقاويل لعقائدي شعاراتي.

مصلحتي الذاتية (العائلية) تقتضي أن يترتب على وفقها مصلحة عامة، فتوصلت بعد تأمل إلى أن مستقبل أولادي في هذا الوطن (وطني ووطنهم ووطن هؤلاء الشباب، ولأنهم وحدهم من يُجيدون الرفض والتعبير عن حاجاتهم، مرهون بالتخلص من ساسة الصدفة الذين حكموا العراق ولم يعرفوا قيمته واستحقاقه، فوجدت قدماي يسيران صوب مكان التظاهر.

لذا أدعو رئيس الوزراء إن كان لديه بقية حُلم أن يستشير شباب من أقاربه فقراء إن وجدوا، هذا إذا كان لديه بقية من حس وطني، فهؤلاء هم بوصلته للخلاص والعبور لا مستشاريه الذين لا دراية لهم ولا علم، وإن كان رأيي قد قلته في منشور سابق أن هذا الرجل لم يعد صالحاً لحكم العراق، ولو كان عندنا قضاء مستقل لكان اليوم مُتهماً بكل جرائم القتل للمتظاهرين.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم