أقلام حرة

إبداع الأنأنة!!

صادق السامرائيالأنأنة من الأنين: صوت المريض

السائد في إبداعنا بأنواعه أنه بكائي حزين ودامع مرير، ويتمتع بدرجات عالية من الجَلد الذاتي والتحسر والرثاء الشديد للوطن والحياة.

المقالة، القصيدة، الأغنية، النص الأدبي، جميعها وبلا إستثناء، عبارة عن بكائيات، وإن شئت لطميات عنيفة وقاسية، لا تسمح بالشعور بحرارة الوجود والتفاعل الإيجابي، ولا بصناعة الوعي الجمعي الفياض بالإشراق.

وفي لحظة تأريخية أصيلة متميزة، يثور فيها الشباب يطالبون بالوطن العراق المُصادر منهم، وفقا لأجندات إقليمية وعالمية وأدواتهما المؤدينة والمتحزبة، تطغى الكتابات الباكية والإحباطية، ويخلو الإبداع من العطاء المتفاعل مع نبض الشارع، والمعبّر عن حماسة وتطلعات الشباب.

فكبار المطربين يترنمون بألحان تبكي وطنا وشعبا، وكأنهم لا يستمدون ألحانهم من عروق الحياة، وشعراء ينشرون مرثيات قاسيات، وبهذا يعلنون وأد الشعب وتشييع الوطن.

إن المجتمعات الحية لا تئن وتتحسر وتتظلم وترثي حالها، وتجلد ذاتها وتنكر موضوعها، بل تتحلى بالعزيمة والإقدام والإصرار على بناء وجودها القوي القويم، فلا تنظر خلفها وإنما إلى الوطن الذي رسمته في خيالها، وإلى الأجيال التي تريد أن تراها تسعى أمامها.

والأمثلة كثيرة إبتداءً من ألمانيا وفرنسا، وبعض دول أوربا الشرقية التي محقتها الحرب العالمية الثانية، وفيتنام والكوريتين وغيرها العديد من شعوب الدنيا، التي لو بحثتم في إبداعاتها فلن تجدوا رثاءً وبكائيات، وإنما ملاحم إقدام وتجليات حاضر ومستقبل زاخر بالطموحات والآمال.

فلماذا إبداعنا دامع وما نبوح به حزين متئس مبتئس تعيس؟!

بعد الهبة الإكتوبرية الواعية الساطعة، لا بد من مراجعة سايكلوجية الإبداع، وأن يتحرر المبدع من الأفكار السلبية ويتحلى بالإيجابية، ويكون مشعل إقدام ونبراس إلتزام بحق الحياة وضرورة صناعة الإنسان الوطني الهمام، الذي يستثمر طاقاته لتحقيق الأفضل والأطيب في ربوع البلاد.

يجب أن يرفع المبدع رايات البناء والروح المستبشرة،  ويضخ الأجيال بإرادة الأمل والثقة بالقدرة على الصيرورة الأبهى، والكينونة الأزهي للوطن والمواطنين.

فعلينا أن نطهّر إبداعاتنا من الدموع والآهات والأنين والتوجعات، وحتى القراءات الدينية والحسينية عليها أن تنبذ البكاء واللطم ومسيرات الوجيع والندب، وتستلهم روح الثورة العزومة لتبني أجيالا ذات إرادة تواقة للخير والمحبة والعدل والرقاء الإنساني الأصيل.

نعم علينا أن ننقي إبداعنا، ونكتب بمداد أكون، ونحطم أصفاد كان، ونتمسك بقدرات نكون!!

وعاش الشعب ويحيا العراق!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم