أقلام حرة

التظاهرة والمؤامرة

علي المرهجإلى رجال الحكومة الذين يؤمنون بأن هذه التظاهرات جاءت بفعل أجنبي وهي مؤامرة على البلد وقد صرَح أكثر من مسؤول بأنها مؤامرة يعرفون خيوطها!، ولا أنفي ذلك ولا أؤكده، ولكن لو كان الأمر كذلك أما كان الأجدر بالمسؤولين عن الأجهزة الأمنية وقاية الشباب من الوقوع في شرك المؤامرة؟!.

أم كُنتم تنتظرون أن يقع (الفاس بالراس) ويستمكن صناع المؤامرة كما تحسبون من عقول الشباب كي يخرجوا للتظاهر ومن ثم تبدأ الحكايات عن عمق هذه المؤامرة والعمل على قتل مئات الشباب المتظاهرين وجرح الآلاف؟!.

أليست هي مسؤولية الحكومة وأجهزتها الأمنية التي يدعي قادتها أنهم يعرفون خيوط اللعبة؟!.

حدث ما حدث وقُتل من قُتل في 1/ 10، ومرت أكثر من عشرين يوماً، لماذا بقيتم صامتين ولم تتحرك أجهزتكم لتفكيك شبكات التآمر؟!.

إذا كانت أجهزتكم الأمنية لم تستطع معرفة القناصين الذين هُم في منطقة إستمكانها يقتلون المتظاهرين وجميع قادة الأجهزة مستنفرين، فكيف يُمكن لكم معرفة خيوط المؤامرة كما تقولون؟!.

بعد كل هذه التسؤلات التي لا جواب عندكم لها وقد مرَ على عمر التظاهرات قُرابة الشهر، ألا يُمكن لكم الاعتراف بفشل خططكم الأمنية؟!.

ألا ترون من حق الجماهير المتظاهرة وأهل الشهداء والجرحى أن يُقيموا عليكم دعاوى في المحاكم العراقية؟!، لأنكم تعرفون أن هُناك مؤامرة على العراق وأهله وتقولون أنكم تعرفون خيوطها ولم تكشفوا عنها فإن لم تكونوا أنتم القتلة أو جماعات تعرفونها فإنكم تتحملون مسؤولية عدم قدرتكم على وقاية المتظاهرين قبل أن يكونوا ضحية المؤامرة كما تؤكدون، أو حمايتهم بعد أن وقعوا في شرك المؤامرة هذه!.

اليوم نحن فقدنا دماء شهداء شباب أنتم (الحكومة) تتحملون وزر مقتلهم من جهات عدَة، الوقاية والحماية والتقصير الأمني، وقضية أهم هي فساد الطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب المشاركة في السلطة التي أمعنت في فسادها ونهبت ثروات البلاد والعباد واستخفت بالمواطن العراقي وقدرته على مواجهتهم لأنهم يُخيفونه ببُعبع المقدس وبُعبع الطائفية، وهم يُصورون أنفسهم حماة المُقدس وحُماة المذهب، وأظن أنهم فرَطوا بأفاعيلهم وفسادهم بالإثنين معاً، لذا نجد شباب العراق يتجاوز خديعة اللعب على وتر القدسية للأشخاص والوقوع في مستنقع الطائفية ليكشف عن مقدس يستحق التقديس ألا وهو الوطن.

إلى كل الأصدقاء الذين أختلف معهم في الرأي من الذين انساقوا وراء الوثوق بنظرية المؤامرة لأنني من كثر تسويف الحكومة وعدم تقديمها للأدلة لست واثقاً من وجودها ولا أنفيها كما أكدت.

أسألكم مُخاطباً ضمير كل واحد منكم، إن كانت المؤامرة موجودة حقاً أو لا، فهل هذا يُبرر قتل ما يقرب من 250 شاب جمال عمره يسوى الأرض وحكوماتها مجتمعة؟!، فإن كانت مؤامرة فهو ذهب ضحية خديعة من آخرين وتقصير كبير من الحكومة لأنها لم تستطع وقايته كما ذكرت، وإن كان لا وجود لمؤامرة فتلك الفجيعة الكبرى.

وجدت بعض الأصدقاء مُندهشين من تفاعلي مع التظاهرات، وكأنني قائد فيها!، وهذا شرف لا أستحقه ولا دور لي فيها، ولكن ما جعلهم يعتقدون بهذا الرأي هو دفاعي عن حق هؤلاء الشباب بالتظاهر وتعجبي بل واستغرابي من مواقف الكثيرين منهم في ضعف شعوره لآهات أمهات الشباب الثكلى، وقد حدثت أحدهم وقلت له تصور أنك أب لأحدهم وخرج عن طوعك وآمن بقضية التظاهر فأستشهد، فما هو موقفك؟ فصمت وقال أبني ميسوي هيج!!!.

وعندي أصدقاء طائفيون لا ارتباط لهم بهذه الحكومة ولا مكسب لهم منها سوى راتبهم ولكنهم يعتقدون أن في خروج الشباب من مدن الجنوب ذات الأغلبية الشيعية سيُضعف شوكتهم!، وأتسائل هل يستحق هذا الفعل قتلهم. أظن أنه كذلك عند الطائفيين!.

وهناك بعض من أصحابنا القريبين من حزب الدعوة يعتقدون أن هؤلاء صدريين مُخربون، وأقول هل نقتلهم ونسفك دماؤهم إن كان ما تعتقدون به صحيح؟!.

وبعضهم يعتقدون أن فيهم مُندسين، ومطاليب الكثير منهم حق، ليبرر مقتل بعضهم بسبب وجود مُندسين

أتعجب من غياب إنسانيتنا لنجد الكثير منا يتغافل عن محاسبة الحكومة أو القتلة ليُحمل المتظاهرين مسؤولية الاختراقات في صفوفهم!، إذن، وما هي مسؤولية الحكومة وأجهزتها؟!.

بعضهم يقول أنك عاطفي!، فقلت له خسارة أكثر من مائتي شاب وجرح أكثر من سبعة آلاف جريح والحبل على الجرار، ألا يستدعي منك تعاطفاً، فغضب على أنني لا أقبل بالرأي الآخر!، فأجبته بالقول: وهل هناك قبول لرأي من يستهين بدماء أبناء من مجتمعه وأقول أنهم من مذهبه لا لشيء إلَا لأنه لا يستطيع فهم مُتغيرات الأحداث إلَا وفق نظرية المؤامرة؟!، ولم أشكك معه بإمكانية وجود مؤامرة ولكن اعتراضي شرحته له وفق تصوراتي في أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في حماية كل مواطن عراقي!.

ولكن لا جواب عنده وتبريره لا يخرج عن قوله (والله ما أدري) ببرود أعصاب (عبالك ذابحين أضاحي بعيد ضحية)!!.

 أنا أستاذ جامعي وكُنت من قبل رئيس قسم، فكُنت أوصي زملائي أيام الإمتحانات أن مهمتنا جميعاً وقاية الطالب وتنبيهه في حال وجود غش عنده بأننا نُشعره بمعرفتنا بأنه يسعى استخدام الغش كي يأخذ حذره ولا يقع في محظور قرار الفصل من الكلية، فلا نجعله يستخدمه في أي حال من الأحوال، وليست مهمتنا أن نُعطيه انطباع أننا لا نعرف أنه عنده غش حتى يستخف بالأمر فننقض عليه، وهي مهمة تربوية للأستاذ مع طلبته، وأظن أنها مهمة رأس الدولة وأجهزتها الأمنية مع مواطنيها.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم