أقلام حرة

تبادل الأدوار بين الآباء والأبناء

علي المرهج- تعلمت من المنتفضين الشباب خطأ المثل الشعبي القائل (أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة)..

- تعلمت منهم أن القراءة والغوص فيها على ما فيها من فائدة عظيمة ولكنها ربما تكون في كثير من الأحيان عائقاً لصاحبها في كثرة التروي والتأمل والعيش في عوالم الفكر والابتعاد عن معرفة حركية الواقع ومتغيراته.

- تعلمت منهم أن صاحبة المهنة الحرة يكون أكثر حرية في القبول والرفض للسلطة بينما صاحب الوظيفة الحكومية يكون كالعبد يرهن أمره بالسلطة وأوامرها.

- تعلمت منهم أن قيمة الفرد ليست فقط بما يمتلك من مال ومعرفة، إنما هذان العاملان ربما يكونان قيداً يجعله يُعيد حساباته ألف مرة وتنظيم علاقاته وفق عبارة أثيرة عندي (للثروة حسابات أخرى) وربما تكون الثروة ليست مالاً فقط بل معرفة منطقية منضبطة تفرض قيوداً وأطراً فكرية على صاحبها.

- تعلمت منهم أن التكتيك ليس مرتبطاً بتعلم مهارات الحساب والتقنية أو الرياضة، إنما التكتيك متأت من قدرة الفرد على اجادة احراج الخصم بالفعل لا بالقوة المضمرة في العقل، لذا كان صاحب (التك تك) أكثر مهارة من كل لاعبي السياسة والفكر والرياضة لبناء وعي بقيمة الوطن.

- تعلمت منهم الأخلاق العملية أكثر وقعاً وتأثيراً من الأخلاق النظرية التي نظّر لها جل الفلاسفة منذ إفلاطون إلى يومنا هذا، وإلا بماذا تُفسر وجود الفتيات إلى جانب الفتيان من غير المتعلمين فنجدهم أكثر حرصاً على أنوثتهن من أهليهن، لنجد الجنسين منشغلون بقيمة خُلقية عليا ألا وهي (الوطن) و (الحق) واتفاقهما على لعمل بشعاريد (نازل آخذ حقي) و (نُريد وطن).

- تعلمت منهم أن درس الحياة يُدرسه الأبناء للآباء ودرس الفكر يُدرسه الآباء للأبناء.

- تعلمت منهم أن (بلاغة الجمهور) أمضى وأبقى وأقوى تأثيراً من (بلاغة اللغة).

- تعلمت منهم أن درس الإيثار والتضحية يُمكن أن يُقدمه الأبناء للآباء لا كما تعلمنا على أنه منة من الآباء على الأبناء، فنحن اليوم نسير على خطاهم ونعمل بحياء منهم على ما خطته أفعالهم في تدوين تاريخ جديد للقيم.

- تعلمت منهم أن المقولة الوطنية (ثوروا تصحوا) هي أقرب للتقوى والصلاح من المقولة الفقهية لا الدينية (صوموا تصحوا).

- تعلمت منهم أن حسابات الحياة وفق معادلة رياضية إنما هي حسبات يخسر صاحبها نفسه قبل أن يخسر ثقة الآخرين به، لأن في حسابات الحياة ما لا يتوافق وحسابات المنطق والرياضيات، فتباهى بعلمك ومعرفتك واتنظر صدمة مُتغير في حياتك (يُفلش) حساباتك المنطقية والرياضية ، بل وحتى التجريبية التي تتمترس بها بوثوقية العلم ومعطاياته ليكشف لك عراقيوا (ثورة تشرين) أنك لا زلت تستقي فكرك من مألوف العلم التقليدي في فهم الطبيعة البشرية، ليُهبرك شباب الانتفاضة أن في عوالم الثورات المعاصرة (الجينية والمعلوماتية) ما لا قدرة لك على التكهن به، فتريث وانتظر ولا تحكم، فلربما يكون في حكمك تسقيط لتصورك العلمي والقيمي.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم