أقلام حرة

الثورة العراقية!!

صادق السامرائيالإنسان العراقي يمتلك طاقات ثورية حضارية لا تضاهى، ويتساءل الناس في الكثير من المجتمعات عن، أين ثورة العراقيين.

وقد فاجأني أحد الأخوة ذات يوما بقوله أن العراقيين لا يثورون، ولا يمكنهم أن يحققوا ما تحقق في مجتمعات عربية أخرى.

وكنت أحسب أننا لا نثور بالمعنى المتعارف عليه للثورة.

وكنت على وشك الرضوخ لهذا التوصيف الذي ساورني الشك فيه، ذلك أن الإنسان العراقي سليل مسيرة حضارية عريقة ذات إسهامات متميزة في وضع خطوات البشرية في دروب التقدم والرقاء، فكانت الكتابة والعجلة والزراعة والدولة والقانون والدستور وغيرها من الإسهامات الأصيلة، التي لازالت الدنيا تسير وفقا لمناهجها ومعالمها التي أوجدها إبن بلاد الرافدين.

لكنني وفي أحد اللقاءات الثقافية الفكرية التي تعددت فيها المواضيع والدراسات، إكتشفت أن العراقي في ثورة مدوية، وأنه في مرحلة النضج الثوري الحضاري الذي سيرسم معالم صيرورة إنسانية جديدة.

ويبدو أن ثورة العراقيين ثورة فكرية شاملة، ستحقق إنتقالة في الوعي والفهم العربي والإسلامي، مثلما أحدثته ثورة الشعر الحر التي زعزعت أركان الشعر بتركيباته المتعارفة على مدى القرون.

ففي العراق هناك بوادر ثورة فكرية تأريخية، ستعيد بناء العقل العربي وستغير مسارات التفكير والنظر.

ثورة ضد التقاليد البالية في قراءة التاريخ وكتابته , والإنتقال به إلى مراحل جديدة معاصرة ذات إسهامات مؤثرة في الحياة.

ثورة دينية تقترب من التراث الإسلامي بروح معاصرة وعقول متفتحة ذات ثقافة إنسانية لا حدود لها، ولا تستكين للدارج من آليات التضليل والتحريف وأخذ الأجيال إلى موارد الردى والضياع والخسران.

ثورة وعي للذات والموضوع والأرض والوطن والحاضر والمستقبل.

ثورة أكبر من جميع الثورات، إنها ثورة العقل العراقي، والنفس العراقية، والروح العراقية التي أنضجتها الظروف المدلهمة الشديدة القساوة والضراوة.

نعم، في العراق ثورة هي كُبرى الثورات العربية ونبراسها ومنار مسيرتها المستقبلية، ثورة لا ترونها، لكنها فاعلة في قلب الإنسان العراقي في أرجاء البلاد، وأنها ستأتي أُكلها وتصنع وجودها الإنساني الحضاري المعبّر عن قيمة وتأثير العراقي في مسيرة الحياة الأرضية.

قد تستغربون، ولا تصدقون، لكنكم ستدركون ذات يوم قريب، أن في مرجل العراق ثورة فكرية ثقافية فوارة، وسترون عطاءها وستسمعون أزيزها وإنفجارها الحضاري الأعظم.

نعم إن العراق يثور من أقصاه إلى أقصاه، وأنه سيكون، وسيفتح أمام الثورات العربية آفاقا حضارية تستدعي التفاعل والتواصل الخلاق ما بين أبناء المجتمع العربي في كل مكان.

تحية لهذه الثورة العراقية الكامنة الغنية بالأنوار والتوهجات الإبداعية المتميزة السباّقة، التي ستجدد خارطة تفكيرنا وأليات إدراكنا واقترابنا من أبعاد الزمن الثلاثة.

إنها ثورة عراقية أصيلة تسري في عروق العراقيين أجمعين وتنبض بقلوبهم وتدوي في أعماقهم، ويتحفز لها الشباب والشابات، لأنهم يمتلكون طاقات التنوير والإشراق العراقي الساطع.

فتحية لكل عراقي يساهم في هذه الثورة الإنسانية الثقافية المباركة.

وعاش العراق والعراقيون صنّاع المجد والأمل والحياة.

 

د. صادق السامرائي

.................................

* هذه المقالة منشورة قبل أكثر من سبعة سنوات , وقد كتبتها بعد أن إنتهيت من إدارة ندوة ثقافية لنخبة من العقول العراقية المنورة , وقد عثرت عليها صدفة وأنا أقلب أرشيف المقالات. وتأريخ نشرها 15\1\2012

 

في المثقف اليوم