أقلام حرة

القانون مثل الموت لا يستثني أحداً!

زيد الحليليسمح لي الصديق المفكر د. عبد الحسين شعبان، ان اجتزئ من قراءته المنشورة للمشهد العراقي الحالي، في ضوء التظاهرات الشعبية، حيث قال: (إن الطبيعة العفوية للتظاهرات والصفة الاستقلالية للمحتجين هي حالة جديدة تعكس عمق الهوّة بين الأحزاب والتيارات والكتل السياسية، ولاسيّما الحاكمة والمشاركة من جهة، وبين الشارع الذي يضم الأغلبية الصامتة من المواطنين المستلبين والمطحونين والذين فقدوا الأمل في إمكانية إصلاح الأوضاع وتحسين ظروفهم المعاشية، من جهة أخرى)

لقد لخصت سطور د. شعبان، واقع المشهد العراقي بكل دقة، ووضعت الاصبع على موضع الالم، ومكمن الداء الذي ادى الى هذا الحراك الشعبي غير المسبوق. واظنه نجح في نحت مقولات ومفاهيم لتفسير هذه التظاهرات واستمرارها، من منظور قارئ جيد لواقع العراق ومعرفة اكيدة بدهاليز سياساته .

فالتظاهرات السلمية الجارية منذ اسابيع، هي ظاهرة اجتماعية سياسية اظنها بداية البدايات، أو مرحلة التشكل الأولي، والذي غالبا ما يشهد صراعا محموما بين الأطروحات، والأطروحات المضادة، ويحتاج حيزا زمنيا كافيا لبلورة الإطار الأنسب للإجابة على الأسئلة المطروحة بقوة، وهي اسئلة ومطالبات لن تعد خافية على احد، فالفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية تنقلها مباشرة من افواه المتظاهرين مباشرة، ومن السهولة معرفة مضامينها .

واجد ان الديمقراطية الحقيقية، والحرية والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد، واعلان اسماء الفاسدين والمفسدين، لاسيما الحيتان الكبيرة، والاجابات المقنعة للسؤال الكبير (من اين لك هذا؟) هي الرهان الحقيقي وراء اندلاع شرارة هذه التظاهرات، والقارئ الجيد هو من يتفحص الاشياء بعقل متزن وما وراءها، ولا يكتفي بالظاهر منها .

ان سيادة العقل المدرك، باعتباره القائد الاول لشؤون الحياة، والقادر على فهم وإيجاد الحل لكل الاسئلة والإشكالات المطروحة، كفيل برسم صورة واقع، مزدان بأركان واشعاعات الامل.. فالمطلوب اذا، قيام حركة استنارة، وتطوير ومراجعة للفكر السياسي الجمعي والمزاج الشعبي والموروث العراقي الرافض للذل، بالإضافة إلى ضرورة اندماج النخب بالناس، حيث نرى اليوم ابتعادا ملموساً بين الراعي والرعية، وهذا ما سبب شرخاً كبيرا بين طرفي المعادلة .

شكرا لك، دكتور شعبان .. لقد فتحت قراءتك لمشهد التظاهرات، شهيتي، للبوح بسطور قليلة، وهو ما يسمح به حجم كلمتي، وانا معك في ان المتظاهرين حين يؤكدون أنهم يريدون "وطناً"، فهذا يعني شعور قلق وعدم طمأنينة بسبب التمييز والاستغلال والنهب، الأمر الذي يعني تعاظم الشعور بذبول الهويّة أو تبدّدها وتشويهها، فالوطن يعني وجود مواطنة ومواطنون لهم الحقوق مثلما عليهم الواجبات، ويخضع الجميع للقانون، وحسب مونتسكيو: فالقانون مثل الموت لا يستثني أحداً، وستكون المواطنة مبتورة وناقصة ومشوّهة مع الفقر والعوز والحاجة والجهل والأمية.

 

زيد الحلًي

 

في المثقف اليوم